هل تستطيع مصر أن تسوق تراثها، في حقيقة الأمر لا، لأنه ينُظر إلي هذا التراث علي أنه منسلخ عن سياقه المكاني، وسياقه الزمني، بل إننا نتعامل مع التراث من منطلق أنه منفصل عنا، يتبع وزارة ما أو هيئة ما، دونما نظر إلي أنه يمثل الشعب تاريخياً والدولة زمنيا. هنا تكمن مشكلة عدم تعاون قطاعات الدولة المصرية مع بعضها البعض، حتي يبدو للبعض أنها متناحرة، وتبدأ الإشكالية من قانون الآثار المصري الذي يُعطي صلاحيات مطلقة للجهة المسئولة عن الآثار، دون أن يُدرك مشروع هذا القانون أن حجم تراث مصر أكبر بكثير من قدرات الدولة المصرية، هذا التراث الذي يصل في عمقه الزمني طبقاً لأحدث الاكتشافات إلي أكثر من مائتي ألف عام، فضلاً عن أن القانون يتعامل مع الأثر دون أن يفرق بين أثر لا يوجد مثيل له يعود لعصور ما قبل التاريخ إلي أثر أنتج في سبعينيات القرن العشرين، وبالتالي أصبح هذا القانون مكبلاً ليد من يعمل في مجال إدارة التراث والحفاظ عليه، كما أن القانون الحالي مكبل لتعظيم موارد مصر الاقتصادية من تراثها، هكذا نحن نضع القوانين لتكبيل أيدينا عن الفعل. وتعود قصة أكبر ميدان أثري في العالم لميدان قلعة الجبل التي أسسها صلاح الدين الأيوبي لتكون مقراً للحكم، فظلت مقراً للحكم إلي عصر الخديو اسماعيل، هذه القلعة المهملة في حاجة إلي أن نُعيد لها رونقها، خاصة مع وجود قيادة أثرية بها تبذل طاقتها في الحفاظ عليها، لكن هذا يجب أن يكون مشروع دولة، فميدان القلعة أسفلها، هو جزء من القلعة، حيث كان الجيش المملوكي يتدرب، والسلطان يُصلي العيد ويستقبل السفراء، ويستعرض جنده في الأعياد والمناسبات، بل كان محمل كسوة الكعبة تخرج من هذا الميدان إلي مكةالمكرمة.. الآن الميدان في غاية السوء فبدلاً من أن يكون ميداناً أثرياً رائعاً مبهراً بما فيه من آثار معمارية من عصور مختلفة، صار موقفاً لأتوبيسات النقل العام والميكرو باصات، بل أُخفيت العديد من معالمه ببنايات تشوه الميدان، في حين أنه لو وجد في دولة أخري لأعيد تخطيطه وصارت به المطاعم والمقاهي الفاخرة والمتاحف ومحلات بيع المنتجات التراثية، ولصارت ساحته مكاناً للاحتفالات، وصار معلماً لمدينة القاهرة، فهل حان الوقت لأن نراجع مواقفنا من تراثنا.