تاريخ الأمة العربية يكتب الآن لخمسين سنة قادمة، ولا فسحة لمضي في التسويف بمزيد من مفاوضات وعملية سلام استغرقت أربعين عاما وأكثر وحققت سلب إسرائيل للمزيد من الأرض.. مطلب مزيد من تفاوض هو الاهانة لوعينا ومفهومنا كعرب.. أن يصدر تشريع من مجلس نواب دولة من مبادئها حق الشعوب في تقرير مصيرها، فيقف المجلس المحترم باجماع الآراء في وجه استقلال شعب يقع تحت الاحتلال العسكري، ليس وحده هذا ما يثير الدهشة فقط مع الاستهجان، انما الملاحظ تلك السرعة الهستيرية التي صدر بها ذلك التشريع. والواضح أن النواب المحترمين لا يعلمون أن اسرائيل قامت كدولة عام 8491 بخطوة من جانب واحد! الفلسطينيون عموما لا ينقصهم إعلان عن قيام الدولة، فالاستقلال سبق وأعلنه ياسر عرفات عام 8891، فاعترف علي الفور أكثر من مائة دولة عضو بالأمم المتحدة، وتباعا علي مر السنين بلغوا 602 بعد انضمام البرازيل والاوروجواي والنرويج ثم بوليفيا وطالما الدولة الفلسطينية معترفة الآن بإسرائيل تكون مستوفية المعايير الدولية لمقومات قيام دولة ذات سيادة... الأهم من التشريع معرفة ما وراءه ولماذا أسرعوا باستصداره الهستيري هذا؟! منذ عام واحد.. نوفمبر 9002 نقل موقع وورلد ديلي نت عن مصادر اسرائيلية أن أوباما يدرس خيار الاعتراف بفلسطين دولة مستقلة بغض النظر عن نتائج المفاوضات، ثم جاء نقلا عن مصادر فلسطينية ما يفيد بأن الرئيس الامريكي وافق علي الشروع في انشاء مؤسسات الدولة الجديدة الذي تقدم به إليه سلام فياض رئيس وزراء السلطة الفلسطينية بحيث يكون التجهيز معدا خلال عامين أي في 1102 (فياض شرع في بناء المؤسسات طوال العام) هاآرتز الاسرائيلية نشرت ان فياض تكتم الاتفاق مع أوباما علي ان تبادر السلطة الفلسطينية والجامعة العربية في الوقت المناسب بالتقدم الي الاممالمتحدة بمطلب »السيادة« للدولة الجديدة، وان فياض ناقش ذلك مع ممثلين لبريطانيا وفرنسا واسبانيا والسويد واخبرهم ان اوباما لا يعارض. سواء كان ذلك دقيقا وغير ذلك فما حدث بالتأكيد هو ان نتنياهو كان بواشنطون (منذ عام) وقام بضغوط علي هيلاري كثيفة علي هيلاري وميتشل ليوقفا مثل هذا الاتجاه.. في شهر ديسمبر الجاري كان ايهود باراك في واشنطون وبذل جهدا مكثفا في هذا الشأن أعقبه الاسراع بصدور التشريع الهستيري لمجلس النواب. واضح الحكومة الاسرائيلية- شايطة- من هذا الاتجاه خصوصا والضغوط الدولية عليها تنصب من كل اتجاه، وهذا ما يكشف أسباب الهجمة الاستيطانية التي تبلغ ذروة شراستها حاليا رغم الحوافز التي بلغت حد الرشاوي لوقفها الاستيطان بلا جدوي.. وكأنهم تماما في سباق مع الوقت لتحقيق النظرية الصهيونية لاسرائيل الكبري (خارج الخط الاخضر) و... هذا ما دفع مجموعة من أبرز القيادات السياسية الاوروبية (السابقة طبعا) من رؤساء وزارات ووزراء خارجية وشخصيات بارزة لإرسال وثيقة في هيئة خطاب مفتوح موجه لرئيس الاتحاد الاوروبي والي ممثلة الشئون الخارجية ليدي اشتون، وإلي جميع رؤساء حكومات الدول الاعضاء ووزراء خارجية الاتحاد، أهم ما في الخطاب الاشارة الي قراراتهم التي اتخذت في اجتماع الاتحاد الاوروبي العام الماضي 9002 وجميعها مستمد من قرارات مجلس الامن ثم يستطرد (طالما أن شيئا لم يتحقق بسبب النشاط الاستيطاني علي الأراضي الفلسطينية المحتلة، ولكل ما يمثله هذا من تهديد لصيغة حل الصراع علي اساس الدولتين) ينصحون في النهاية بالتعاون مع الولاياتالمتحدةوالاممالمتحدة وروسيا والجامعة العربية مشتركين في اقتراح محدد وشامل يقدم، فإذا لم يؤخذ به حتي ديسمبر 1102 مع اجتماع مجلس الاتحاد الاوروبي (فهذا مالا يترك امامهم خيارا اخر غير الرجوع إلي المجتمع الدولي) ومن اهم فقرات الخطاب الوثيقة- النصح بتكرار الموقف الثابت، عدم الاعتراف بأي تغييرات تطرأ علي خطوط عام 7691 بما فيها القدس طالما بغير اتفاق الطرفين.. مع (توضيح في حالة التغييرات أن يكون للدولة الفلسطينية حق السيادة علي أراض تساوي تماما 001٪ ما احتلته اسرائيل عام 7691 بما في ذلك القدسالشرقية) الخطاب طويل وينم عن خبرة وموضوعية وفهم عميق والتزام بالمباديء التي ترفعها الدول الكبري التي لا تبتذل ولا تهين شعوبها انسياقا لابتزاز أو انصياعا لأحد أيا كان... واضح، بعد استنفاد نحو أربعين عاما في عملية سلام ومفاوضات عقيمة، أنه لم يتبق من خيار سوي الاتجاه للامم المتحدة، بغض النظر عن التأخير الطويل، ومسئولية التأخير تقع علي عاتق الدول العربية بقدر ما هي علي الفلسطينيين، فهو تأخير أو تسويف تحت بند مفاوضات لا يستفيد منه غير اسرائيل. حكماء العالم جميعا (من غير أصحاب المناصب) بمن فيهم بل ربما من اولهم حكماء يهود مثل هنري سيجمان، الذي أجريت معه حديثا في القاهرة نشر منذ نحو اربع سنوات، دعا فيه الجامعة العربية بأن تبادر مع الفلسطينيين، ويتجهوا إلي الاممالمتحدة ليطالبوا مجلس الأمن القيام بدوره وفق ما جاء في القرار رقم 242: وهو يتضمن في السياق بأنه الجهة المنوطة بتنفيذ ما جاء فيه اذا ما استعصي التوصل إلي تنفيذه بالتفاوض.. وقد اعاد هذا الرجل الذي كان رئيسا لمنظمة المؤتمر اليهودي في نيويورك هذا الرأي في مقال نشر له منذ نحو عام... وها هم حكماء اوروبا يوجهون هذا الخطاب إلي الاتحاد الاوروبي هذه الاونة. ولا يوجد ادني شك من حصول دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة في حدود 7691 علي التصويت لها بالاغلبية الساحقة في الجمعية العمومية أما ماذا عساه يحدث في مجلس الأمن؟ فهذا يستحق ان يكون له التدبير والشغل الشاغل عربيا فهي الفرصة الاخيرة..