..ماذا حدث لنا أيها الشعب العظيم وقد أمسي فن صناعة الأزمة وبحرفية من جانب بعض الأشخاص أو الفئات وعلي كل المستويات والأصعدة سواء المحلية أو الدولية ظاهرة متكررة في وطن يعاني أزماته الذاتية الساكنة في مفاصلة بحكم تراكم المشاكل وتعقدها وتأخر معالجتها وفقدان الإرادة علي مواجهتها ؛ وفي توقيت خاطيء دون الالتفات إلي ذلك وكأننا فقدنا الحكمة والرشد.. ..يدهشك عزيزي القاريء - كما أدهشتني - الصورة المعقدة التي شاهدناها يوم الإثنين الماضي لحظة صدور حكم الإدارية العليا والذي يمس الشكل دون أصل الحكاية ؛ وبغض النظر عن السجال الدائر والجاهل في غالبه كونه صادرا عن غير أهل التخصص فالمسألة في تقديري رغم أنها تخضع للمعايير القانونية إلا أننا لم نلتفت لخطورة العرض والتناول بهذه الطريقة الهابطة سواء من جانب » النكبة» التي لم تكلف نفسها عناء البحث بأسلوب علمي أو الاستعانة بأساتذة القانون الدولي أو حتي راعت مدي دقة وحساسية الأمر أو الإعلام الذي حولها إلي مندبة أو مكلمة والحقيقة انه في الغالب أساء اختيار معظم ضيوفه ؛ لقد لمحتها » مصطبة» أو »حصيرة» في شارع الرويبضة يمعن في إظهار ونشر كل السيء فينا سواء من علم أو ثقافة بل افتقدت هذه الأعمال التي أتوا بها لأبسط قواعد الاتصال الأخلاقي سواء كان مهنيا أو إنسانيا..وهي أمور - يقينا - لا تستقيم وأبسط متطلبات الوعي بما يجب طرحه وحجمه وكيفية الطرح ولمن يكون ؛ وقد أساءت هذه الصورة لنا - ونحن دوما نفتخر بأننا الاكثر تميزا والأعمق فهما ؛ إنها قمة العشوائية المسيئة حتما للوطن. .. صدر الحكم ويجب احترامه ؛ وتناوله في حدود مضمونه وآثاره المترتبة عليه ولا نتزيد بجهل ؛ فنثير الداخل ونستعدي الأشقاء في وقت لا تحتمل العلاقات فيه لمزيد من التدهور خاصة أن في ذلك خطرا شديدا علي الأمن القومي ليس المصري أو السعودي فقط بل علي منظومة الأمن القومي العربي بشكل كامل. .. وأذكر حضراتكم - لئلا يظن البعض أني أعاني تناقضا - حيث أكدت مرارا في الإعلام ولكل السادة الأفاضل الذين حاضرتهم بأن هناك فرقا شاسعا بين وضع اليد والملكية للأراضي الخفية التي نعرفها جميعا في بلادنا فما من مصري يمتلك ارضا زراعية او منزلا إلا ويعرف مفهوم »الخفية» وأنه لا يمكن تسجيل هذه الأرض وإضافتها لملكيته إلا بشرائها والتنازل عنها بمقابل من جانب الجهات المختصة في الدولة مهما طالت فترة وضح اليد عليها » او مايطلق عليها الحيازة» هذا واقع نلمسه بيننا ؛ فإذا انتقلنا من نموذج الافراد داخل الوطن إلي نموذج الدول المتجاورة فهناك فرق بين السيادة والإدارة لمنطقة معينة مهما طال زمنها وشكلها والملكية الخالصة والمستقرة التي تعد حدود جغرافيا أي وطن ولا ينازعه فيها جار ؛ والمنظم لهذه الامور القانون الدولي - علي غرار القانون المدني وفروعه محليا - نخلص من ذلك إلي أن العلاقة بين الدول المتجاورة في اليابسة أو المتشاطئة محيطات او بحار أو بحيرات أو حتي أنهار لها قانون يضع قواعد ثابتة وواضحة وقابلة للتطبيق وهو بطبيعته ملزم للجميع منذ لحظة صدوره ؛ هذا هو ما قلته وأعتقد انه منطقي وأولي بالاتباع ؛ أما كيف ومن يطبقه فهي مؤسسات الدول المعنية بالأمر.. ..كل ذلك لا غيم عليه ؛ وأي دولة محترمة لا يجب ان تتركه لكل من »هب ودب» للتناول الهابط فيسيء لها وللآخرين ؛ وقد شاهدنا الملف منذ البداية وآلمنا تركه - سواء بقصد أو بغير قصد - فتحول من اتفاق بين دولتين شقيقتين إلي خلاف ؛ علي وشك أن يتحول لأزمة ؛ وإن كنت أثق في حكمة قيادة الدولتين وأنهما حتما سيعملان بإخلاص علي تجنب الوصول به إلي نقطة الصراع وهو أمر كما سبق وأكدت في غاية الخطورة علي الامن القومي العربي بكامله من الماء إلي الماء..وأري - إن سمح لي - أن يكون التحرك لوزيري الخارجية المصري والسعودي ويتفقان علي آلية تسمح بتجميد هذا الملف للمستقبل وإدارته بما يضمن عدم التصعيد من جانب واحتفاظ كل طرف بحقه في الملكية حيث لديَّ يقين بأن مصر العظيمة ستتعامل مع هذا الملف - كدأبها- بشرف ؛ ويمكننا تطوير الرؤية للمستوي الذي يسمح بتحويل الجزيرتين موضوع الأزمة إلي مناطق اقتصادية مشتركة ويبحث أمر تأثيرها علي الامن القومي للدولتين ؛ وقياسا عليها ملف »حلايب وشلاتين» المصريتين حسب قواعد القانون الدولي مع الشقيقة السودان. ..بقيت نقطة بسيطة ولكنها مهمة أختتم بها وهي في الحقيقة تثير الدهشة حيث تلاحظ أن كل من يعبث بهذا الملف ويستثمره للإساءة للدولة وقياداتها السياسية أشخاص ومنظمات تتشدق بالوطنية وقد فضحتهم الأيام وقد باعوا وقبضوا والوطنية منهم براء ؛ وهنا أتساءل أليس في مصر رجال لديهم جرأة المواجهة والكشف ؛ وإلي متي نظل في حالة التراخي معهم وقد فهموا انفسهم علي حق بالخطأ؛ إن هذا التجرؤ علي الدولة وعلي مؤسساتها يحتاج لمراجعة فورية. ..وعودة لذي بدء..والتناول للعنوان بعد أن قدمنا النموذج الأكثر حياة بيننا ؛ لماذا نترك مصائر مشاكلنا حتي يلتقطها المتربصون ويصنعوا منها الأزمات ؛ وقد عانينا حتي في علاقاتنا الخارجية من ضغوط شديدة بسبب التناول الخاطيء لبعض الأحداث واتضح أن ذلك كان مقصودا لتدمير العلاقات خاصة مع الدول التي بدأنا نبني معها علاقات استراتيجية ؛ كروسيا وايطاليا وأثيوبيا علي سبيل المثال ثم تحولوا الآن لمستوي الأشقاء فكانت المغرب والآن السعودية.. ..وامتدت حرب صناعة الأزمات للداخل ويقينا لسنا في حاجة إلي حصرها فقد حاولوا بسيناريو التشكيك في كل إنجاز عملاق تم علي الأرض سواء في البنية الاقتصادية العظيمة او اعادة هندسة علاقاتنا الخارجية او رفع كفاءة قواتنا المسلحة بوعي وتقدير موقف يأخذ في الاعتبار استشرافا سليما للمستقبل وتأمين اتجاهاتنا الاستراتيجية وإدراك أن حدود الأمن القومي المصري ليست هي حدودنا الجغرافية ولكنها تمتد لتصل إلي كل متر مربع لنا مصلحة فيه وكل متر مربع نلمح تهديدا منه..إنهم يتبعون بدأب سياسة التشكيك الدائم والمستمر ؛ والسيناريو الأسود الثاني هو صناعة الازمات في كل مايتعلق بقوت العوام والضغط بشدة لإظهار فشل الحكومة وبكل أسف فإن ذلك يتم بتخطيط وتمويل خارجي وينفذ بأناس يمثلون نهايات طرفية لهم ؛ والمؤكد ان الدولة بكل مؤسساتها وقاطرتها في ذلك قواتنا المسلحة يعرفون هذه الألاعيب وتعلم الخونة أصحابها وتتعامل مع كل هذه الأزمات بحكمة وقد قاربت علي القضاء علي هذا السيناريو وأصحابه. ..الخلاصة..أن ننتبه جميعا لما يحاك للوطن؛ وقد أرادوه منهارا محترقا مهدما ؛ لكنها إرادة الله وفيض فضله علينا ؛ فكلها في تقديري توابع زلزال 30/6 ستتلاشي مع القادم من أيام شرط ان يعمل الجميع بالتضامن مع القيادة السياسية بإخلاص أكثر ؛ وأبشركم بأن طريق الأمل يزداد وضوحا واتساعا مع الزمن ولينظر الجميع إلي التغيرات التي تحدث في العالم الآن والتحولات الكبيرة كلها تصب بإذن الله في مصلحة الوطن وتؤكد وعد المولي ؛ وهذا ما كررناه في حواراتنا علي مدار سنوات ولم يك أحد يؤمن بما سقناه بيقين.