غدا تمر الذكري الثالثة علي رحيل السيناريست الكبير ممدوح الليثي الذي جمعتني به صداقة قوية منذ ان كنت طالبا في أكاديمية الفنون في بداية السبعينيات حيث كان أستاذا لمادة السيناريو لطلبة قسم النقد والدراما بالمعهد العالي للفنون المسرحية في أواخر العهد الذهبي لهذه الأكاديمية العريقة التي أتمني ان تعود كما كانت من قبل. وممدوح الليثي حياته تصلح لأن تكون عملا دراميا لكثرة ما مر به من أحداث علي المستويين الشخصي والعام وشهدت سنوات عمله منذ ان ترك عمله بالشرطة وتفرغ لابداعه الفني العديد من الانتصارات المثيرة المدوية وأيضا هاجمته الانكسارات التي أرادت ان تنال من نجاحاته وصعود نجمه كإعلامي متميز من طراز رفيع. وقد أسعدني حظي ان أكون بجانب ممدوح الليثي عقب تعييني »بأخبار اليوم» في منتصف السبعينيات فعاصرته كسيناريست وكرئيس لأفلام التليفزيون وتمر السنوات ويصبح أول رئيس لقطاع الانتاج في اتحاد الإذاعة والتليفزيون فهو الذي انشأ هذا الكيان الدرامي المحترم وأعطي لمصر الريادة في مجال الأفلام والمسلسلات بكل أنواعها ثم هو أيضا الذي قدم الأفلام التسجيلية الرائعة التي صنعها أفضل مخرجي هذه الأعمال الصعبة والتي حصدت مصر من خلال هذا القطاع عشرات الجوائز والميداليات والشهادات المحلية والإقليمية والعربية والدولية. وظللت بجوار ممدوح الليثي في كل مراحل حياته بحكم صداقتي القوية له ولزوجته الإعلامية الفاضلة الحاجة ليلي الديدي نائب رئيس التليفزيون الأسبق والمخرجة المحترمة ثم عشت معه مأساة رحيل ابنه »شريف» وعاصرت خطوات دراسة ونبوغ ابنه الإعلامي القدير عمرو الليثي وممارسته للصحافة والإخراج والتقديم للبرامج معتمدا علي موهبته وليس علي صلات واتصالات والده أو حتي أسرته التي تعد من أعمدة الانتاج السينمائي في مصر فمن منا لا يعرف جمال الليثي وإيهاب الليثي ومرورا بكل »الليثي» أصحاب القيمة والقامة في تاريخ السينما المصرية. ولأن ممدوح الليثي كان إعلاميا سابقا لعصره في التفكير والتخطيط كمبدع شارك وساهم في بناء مدينة الانتاج الإعلامي وجعل منها صرحا إعلاميا فنيا عالميا خاصة وكان يقود الإعلام المصري آنذاك صفوت الشريف صانع النهضة الإعلامية الحديثة لمصر بعد العملاق العظيم د.عبد القادر حاتم رحمة الله عليه وبالتالي فقد جاءت المدينة ومن بعدها النايل سات كأعظم ما شهدناه من انجازات في سنوات الأزدهار مع بداية حقبة الثمانينيات الخصبة. وسجل ممدوح الليثي يزدحم بأعمال رائعة تضيق المساحة هنا بحصرها ولكنني اسوف أذكر منها »ليالي الحلمية» و»عمر بن عبدالعزيز» و»المال والبنون» و»نصف ربيع الآخر» وفوازير شريهان ونيللي ثم نجح في استقطاب كبار النجوم والكتاب والمخرجين لهذه الأعمال ويعود إليه الفضل في اكتشاف عشرات الوجوه الجديدة التي أصبحت فيما بعد من كبار نجوم الصف الأول. ووسط كل هذا النجاح والتوهج لقطاع الانتاج برئاسة ممدوح الليثي قدم كسيناريست أفلامه الخالدة مثل »ميرامار» و»ثرثرة فوق النيل» و»الكرنك» و»أميرة حبي أنا» و»لا شيء يهم» و»استقالة عالمة ذرة» و»حب تحت المطر» و»المذنبون» و»السكرية» و»أنا لا أكذب ولكني أتجمل» إلي آخره من الأفلام الأخري التي لا تسعفني الذاكرة لذكرها.. وكلها أعمال رائعة كانت سببا في ان يفوز بجائزة الدولة التقديرية في الفنون 1992 الي جانب عدة جوائز آخري منحتها له وزارة الثقافة عن افلامه المتميزة وكانت أخر أعماله كتاب الصديقان ناصر وعامر الذي صدر منه ثلاثة طبعات حتي الآن. ونتيجة لكل هذه النجاحات والتألق واللمعان والصعود إلي السحاب كان لابد ان تتربص قوي الشر بممدوح الليثي لايقاف زحفه لاعتلاء أعلي المناصب في الدولة حيث دبرت ضده مؤامرة ولكن القضاء المصري الشامخ أثبت براءته مما خطط له الخبثاء ويعود ويسترد كل حقوقه الأدبية والمادية وتكلفه الدولة بإنشاء جهاز للسينما في مدينة الانتاج الإعلامي ويقدم أعمالا رائعة علي مستوي فني عال ثم يعتزل العمل الإداري ويتخلي عن منصبه بناء علي رغبته الشخصية وتأتي من بعده قيادات أخري في ظل متغيرات سياسية جديدة عصفت بجهاز السينما حتي تلاشي تماما ليبقي اسم ممدوح الليثي فقط طاقة نور ونجاح يعتز بها إعلامنا المصري حتي الآن ويكفيه اننا كلما جاءت سيرة ماسبيرو أو مدينة الانتاج الإعلامي نتذكره ونقرأ علي روحه الفاتحة ونتمني ان نستنسخ منه إنسانا آخر يحمل جزء من جينات الابداع لهذا الرجل القدير الذي سوف نظل نتذكره أمس واليوم وغدا حتي يرث الله سبحانه وتعالي الأرض ومن عليها.