يتفق كل من خاض تجربة التفاوض مع إسرائيل علي حقيقة ان المفاوض الإسرائيلي هو الأشد خبثاً ودهاء في العالم .. ولا يرجع ذلك فقط الي معتقداته ومفاهيمه العنصرية المتطرفة بل ايضاً لإعتقاده ان عملية التفاوض هي مجرد مساومة للوصول الي صفقة ما بصرف النظر عن معايير الحق والعدالة والشرعية وان الهدف الأسمي الذي يجب ان يسعي اليه المفاوضون الإسرائيليون هو الحصول علي كل شيء حتي لو لم يحصل الطرف الاخر علي اي شيء وهو ما يطلق عليه صفقة الشيطان. هذا المفهوم النفعي او الانتهازي للمفاوضات، او المباحثات لا تطبقه إسرائيل مع اعدائها وخصومها فقط الذين قد تجمعها بهم مائدة التفاوض بل ايضاً مع اصدقائها وحلفائها الذين يحاولون مساعدتها. واحدث دليل علي ذلك هو المحاولات التي تبذلها الولاياتالمتحدة لإستئناف المفاوضات بين إسرائيل والفلسطنيين والتي توقفت بسبب سياسة الإستيطان الإسرائيلية في الاراضي الفلسطينية المحتلة ورغبة اسرائيل في ابتلاع كل الحقوق الفلسطينية قبل الوصول لأي اتفاق. فخلال المحادثات الاخيرة بين رئيس الوزراء الإسرائيلي بينيامين نتنياهو ووزيرة الخارجية الامريكية هيلاري كلينتون تم الاتفاق علي ثلاث نقاط اساسية جعلت المراقبين يتوقعون استئناف العملية السلمية قريباً رغم اعتراض الجانب الفلسطيني علي حجم الحوافز او الرشاوي التي قدمتها واشنطن لتل ابيب لإقناعها بتجميد مؤقت للإستيطان. النقطة الاولي هي تجميد بناء المستوطنات الإسرائيلية لمدة 90 يوماً والثانية تقديم 35 طائرة امريكية من طراز "اف 15" لإسرائيل، اما نقطة الإتفاق الاخيرة بين نتنياهو وهيلاري كلينتون فكانت هي البدء في عملية رسم حدود الدولة الفلسطينية التي ستتم اقامتها مستقبلاً. وفي ضوء هذا الإتفاق الامريكي الإسرائيلي، بدأت واشنطن اتصالاتها مع الفلسطنيين للعودة الي مائدة المفاوضات التي اعلنوا مقاطعتها مالم يتم تجميد بناء المستوطنات الاسرائيلية. وفوجئ الامريكيون بالمشكلة تتفجر من جديد من خلال تراجع إسرائيل عن كل ما تم الاتفاق عليه بين نتنياهو وكلينتون. فبالنسبة للمستوطنات قالت واشنطن ان الاتفاق يشمل تجميد البناء في القدسالشرقية ولكن الإسرائيليين اكدوا ان ما فهموه هو ان بناء المستوطنات في القدس لن يتوقف. اما طائرات "اف 15" فقد اعلن الامريكيون ان قيمتها ستخصم من المساعدات الامريكية لإسرائيل بينما زعم الإسرائيليون انهم فهموا ان قيمة هذه الطائرات ستكون منحة مجانية من الولاياتالمتحدة. والمشكلة الكبري التي تسبب فيها الاسرائيليون كانت تتعلق بحدود الدولة الفلسطينية. فالفكرة الاساسية التي طرحتها هيلاري كلينتون علي نتنياهو كانت هي وضع خريطة لهذه الدولة المستقبلية ترضي الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني وتعطي دفعة كبري لمفاوضات السلام. ولكن نتنياهو اعلن امام حكومته انه لن تكون هناك اي مفاوضات منفصلة حول الحدود وان كل القضايا سوف يتم طرحها علي مائدة التفاوض مع الفلسطنيين.! هكذا، افرغ نتنياهو اتفاقه مع وزيرة الخارجية الامريكية من اي مضمون له قيمة او معني وعاد بالجميع الي نقطة البداية حيث تواصل إسرائيل بناء المستوطنات ويقاطع الفلسطينيون المفاوضات ويظل مصير السلام والاستقرار في مهب الريح ..!!