اعتادت جماعات التطرف والارهاب في مختلف العصور علي اخفاء اهدافها العنصرية الشريرة وراء اجندة سياسية او شعارات تسعي لخداع الاخرين مثل مقاومة الظلم والدفاع عن الحرية وانتزاع حقوق المقهورين في العالم. واستطاعت هذه الجماعات الحصول علي تأييد البعض لأنشطتها الدموية بحجة انها شكل مشروع من اشكال الدفاع عن النفس ووسيلة لإستعادة الحقوق المسلوبة من منطلق ان المساواة في الظلم عدل والمساواة في الوحشية رحمة! كان هذا بالتحديد هو القناع الذي اختفي وراءه تنظيم القاعدة الارهابي في بداياته عندما ولد علي ايدي وكالة المخابرات المركزية الامريكية بحجة "الجهاد" ضد الغزو السوفييتي لأفغانستان. في ذلك الحين كان الامريكيون يفرشون السجاجيد الحمراء في مطاراتهم عند استقبال اسامة بن لادن زعيم القاعدة الذي كان يطلق التصريحات النارية حول ضرورة اعلان الحرب ضد الغزاة السوفييت ومساندة الشعب الافغاني المغلوب علي امره. وبعد الصدام بين بن لادن والامريكيين استخدم نفس الشعارات ولكن ضد الولاياتالمتحدة التي تحولت فجأة من حليف للمسلمين الي عدو يتعين اعلان الحرب عليه. وفي كل الاحوال، تخدم منظمات التطرف والارهاب اجندات اجنبية لا علاقة لها بالشعوب المقهورة او الحقوق المغتصبة. وجاء الموقف الاخير لفرع تنظيم القاعدة في العراق باستهداف دور العبادة والمنشأت الدينية لكي يكشف مرة اخري القناع عن وجه الارهاب القبيح دون حاجة الي التستر وراء شعارات براقة خادعة. ولاشك ان اضفاء البعد الديني علي اي صراع يشعل اخطر وابشع اشكال الصدام او المواجهة. وقد دفعت البشرية ثمناً فادحاً في مراحل تاريخية مختلفة للحروب الدينية. والسبب في ذلك شديد الوضوح وهو ان اي طرف في مثل هذه الصراعات يسعي وراء هدف واحد هو القضاء علي الاخر وانكار حقه في الوجود! وغني عن القول ان التنظيمات الارهابية، مثل القاعدة او غيرها لا تسعي لخدمة اي عقيدة او ديانة بقدر ما تهدف الي تحقيق مصالح قوي بعينها وهي بذلك لا تعدو كونها مجرد كيانات مأجورة لا يختلف دورها كثيراً عن الدور الذي يلعبه المرتزقة والقتلة المحترفون. وربما كان هذا هو السبب الذي دفع الكثيرون من المراقبين السياسيين الي تأكيد العلاقة الشريرة بين قوي الاستغلال والهيمنة وبين تنظيمات العنف والتطرف والارهاب خاصة وان جميع الاديان تدعو الي احترام الاخر ومعتقداته. وقد اعترف احد قادة المنظمات اليمينية ذات الطابع النازي في الولاياتالمتحدة بالدور الذي يلعبه اسامة بن لادن بالتحديد في خدمة اجندة اليمين الامريكي بقوله " ان بن لادن يمثل ضرورة حيوية لنا ولو لم يكن موجوداً لأوجدناه!". وبمعني اخر، فان هناك اتفاقاً في الاهداف والتوجهات بين قوي التطرف والارهاب في العالم مهما اختلفت عقائدها وايدولوجياتها لأن الرابط الذي يجمعها هو رؤيتها السوداء لمن لا يعتنقون افكارها الاجرامية وانكارها لحق الاخر في الحياة بصرف النظر عن ديانته او العرق الذي ينتمي اليه. واذا كان اشعال الحروب الدينية في منطقة الشرق الاوسط بالتحديد قد اصبح هدفاً للإرهابيين ومن يحركونهم فإن مسئولية شعوب هذه المنطقة والقوي المستنيرة فيها تصبح بلا شك اكبر واكثر اهمية وتتجسد ببساطة في التصدي لهذا المخطط الشرير بالتلاحم والتجمع حول مفاهيم المواطنة والمساواة وحق جميع البشر في الحياة.