كانت نتيجة الاستفتاء الذي تبناه حزب الشعب السويسري اليميني والمتطرف والذي صوت 57٪ لصالحه من السويسريين بحظر بناء المآذن فوق المساجد في سويسرا.. نتيجة صادمة للكثيرين سواء من المسلمين أو غير المسلمين في أوروبا وخارج أوروبا.. وذلك لأن هناك تلك الإدعاءات الأوروبية والتي قد سيطرت علي كل وسائل الإعلام بمختلف أشكالها حول عظمة الديمقراطية الغربية وعن احترام أوروبا لحقوق الإنسان وتبني أوروبا لحوار الأديان وتدخل الغرب بكل الأشكال في شئون الغير بحجة حماية حقوق الأقليات الدينية خاصة فيما يخص حرية العقيدة، ناهيك عن الإدعاء بقبول الآخر ودعوتهم للتنوع الحضاري، فهل يصب ذلك القرار الذي يحظر بناء المآذن في سويسرا علي تأكيد تلك المبادئ أو تدعيم هذه القيم؟ أليس هذا يصيب تلك الدعاوي في مقتل ويكشف كذب كل هذه القيم التي تقال ولا تري أي واقع للتطبيق العملي؟ وبأي حق يتم حرمان أكثر من أربعمائة ألف مواطن سويسري من ممارسة شعائرهم الدينية؟ هل هي ديكتاتورية الأغلبية في مواجهة الأقلية وكله باسم الديمقراطية؟. وهل هذا القرار وهذا هو الأهم سيكون نهاية المطاف في هذا الجو الذي بات رافضًا للآخر الديني أم ستكون هذه هي البداية لفاشية متجددة ولنازية جديدة؟ وهنا فنحن لا نتجاوز ولا نبالغ حيث قال النائب البرلماني عن حزب الشعب الداعم الرئيسي لمبادرة حظر بناء المآذن: أن الناخبين بتصويتهم لصالح حظر بناء المآذن أعطوا اشارة قوية للسلطة بضرورة التوقف عن تأييدها لمزاعم الإسلام السياسي في سويسرا علي حساب قوانيننا وقيمنا.. ويجب دفع المسلمين إلي الاندماج في المجتمع وأضاف نائب حزب الشعب أن حزبه سيعزز دعواته في البرلمان بغية اتخاذ مزيد من الإجراءات للتصدي لما وصفوه بالأسلمة الزاحفة علي المجتمع السويسري، وعلي رأس قائمة أهداف الحزب الزيجات بالإكراه وختان الإناث والإعفاءات الخاصة من دروس السباحة وارتداء النقاب مضيفًا أن حزبه يعتزم النظر في مسألة حظر بناء المقابر الخاصة بالمسلمين، وهكذا ومن الواضح أن حزب الشعب سيستمر في تنفيذ مخطط رفض الآخر ومحاصرته بكل الطرق، ولا شك فإن الموقف السويسري في هذا الرفض لم يكن هو كل الصورة حتي في أوروبا، فقد رأينا ذلك التصريح الصادر من الفاتيكان والذي اعتبر أن هذا القرار يمثل انتهاكًا لحرية ممارسة العقيدة، وهذا لا شك فهو موقف جيد من قيادة دينية مسيحية عالمية، كما وصف وزير خارجية فرنسا القرار السويسري بأنه عنصري وصادم وضد التسامح. حيث اعتبر أن المآذن هي رمز من رموز الإسلام. وهذا في الوقت الذي ترفض فيه فرنسا النقاب رفضًا تامًا وتعتبره مغالاة مرفوضة فرضتها السلفية والتي انتشرت في أوروبا، وهنا نقول ما هي الأسباب الحقيقية وراء ذلك القرار بل وراء تلك الهجمة الأوروبية وفي كثير من بلدانها، ضد الآخر الديني؟ هل هذه الهجمة هي مجال التطبيق العملي لنظرية صراع الحضارات أو صراع الأديان؟، هل السبب تلك الممارسات الإرهابية التي تمت وللأسف وأعلنت باسم الإسلام وقد تم اختطاف ذلك وقاموا بالتعميم بجعل الإرهاب صفة ملتصقة بالإسلام؟ هل ذلك نتيجة لهذا التنطع الذي يمارس باسم الإسلام والإسلام منه براء ولكنه رؤية شخصية لأفراد أو جماعات أو تنظيمات هي سياسية في المقام الأول وتستغل الإسلام الدين في صالح السياسي؟ وإذا كانت تلك الجماعات الإرهابية والمتشددة إسلامية، ألا يوجد مثل ذلك بالضبط في الأديان الأخري سواء كانت اليهودية أو المسيحية؟ ولماذا نسحب تلك السلوكيات الشاذة والممارسات المرفوضة علي الأديان وليس العكس؟ ولماذا لا نفرق بين الإسلام كدين والأيديولوجيا الإسلامية. والأنشطة الراديكالية الإسلامية المسلمة من جانب آخر؟. وإذا كانت بعض الجماعات الراديكالية الإسلامية ترفض الآخر الديني فيما هو الجديد في تلك الممارسات الأوروبية ضد المسلمين الأوروبيين أليس هذا أيضا رفضا للآخر الديني؟ وما هي النتائج التي يمكن أن تترتب علي تلك الممارسات من جانب تلك الجماعات الراديكالية سواء كانت في أوروبا أو خارجها؟ ولذا لابد أن نفرق بين الأشياء. فالمسلمون في أوروبا خاصة الأجيال الأوروبية الجنس وكذلك المتجنسون بالجنسيات الأوروبية فعليهم الاندماج في مجتمعاتهم تلك حيث أنهم قد أصبحوا جزءا منها وهي جزء منهم. وهنا لا شك فالدين الإسلامي وأي دين آخر لا يرفض الاندماج لكنه يرفض التطرف كما أن الدين جوهر وحياة وسلوك وليس أشكالاً وشكليات ومظهرا بل الدين جوهر وعلي تلك الجماعات والأفراد خارج أوروبا والذين يتصورون خطأ ويريدون تحويل أوروبا إلي خلافة إسلامية فتلك أحلام لا علاقة لها بواقع المسلمين المزري. وليس بالإسلام فقط يمكن تحقيق الأماني فلا بتصدير فكركم وسلوككم إلي أوروبا ستعاد دولة الأندلس.. ولا لتمويلكم المادي لمسلمي أوروبا ستعيدون الخلافة الإسلامية مرة أخري.. فالخلافة الإسلامية تعاد الآن بهذا الكم المسلم المتصاعد في أوروبا بشرط أن يندمجوا في المجتمع وأن ينهضوا عمليا وعلميا.. وهذا هو المتغير العالمي الآن الذي يجتاح العالم.. وليس باجترار الأفكار القديمة ولا الأنظمة التي كانت تتواكب مع زمنها وتتفق مع عصرها.. مع العلم أن فاقد الشيء لا يعطيه.. كما نقول للغرب كله الذي يدعي الدفاع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان أن ما تم في سويسرا وما يتم من رفض الآخر الديني في سائر أوروبا ليس من المسيحية في شيء بل ولا علاقة له بأي قيم أخلاقية أو شعارات سياسية.. كذلك نقول للمتشددين في عالمنا العربي والإسلامي لم يكن الإسلام يومًا في صحيحه رافضًا للآخر.. ولكنها تفسيراتكم الخاصة لأجل أهدافكم الخاصة.. ولم يكن الإسلام رافضًا للآخر.. ولذا ولكي يمكن أن ندافع عن الآخر في أوروبا وفي كل مكان.. نقول لابد من قبول الآخر في العالم العربي والإسلامي وبالأخص في مصر لأن هذا شهادة عملية لقبول الإسلام للتنوع وللآخر.. فلا يستقيم هنا الدفاع عن بناء المآذن في سويسرا وفي ذات الوقت تعتدي علي المسيحيين في مصر لمجرد أنهم يقيمون الصلاة في مكان ما لأنه لا يوجد لهم كنيسة يقيمون فيها الصلاة.. ما يتم في سويسرا مرفوض وما يتم في مصر في مواجهة الآخر الديني أيضًا مرفوض.. فالأديان متسامحة ومحبة وقابلة للآخر.. والمطالبة بالحق وبتفعيل المبدأ لا تصلح هنا وترفض هناك بل لابد من تفعيلها في كل مكان.. فقيم الأديان واحدة.. والأديان متجاورة ومتكاملة، والحقوق للجميع والقيم لا تجزأ.. والمصداقية في الدفاع عن الآخر قبل الدفاع عن النفس لأن تلك قيمة دينية وأخلاقية وإنسانية أخيرًا لابد أن تعي الأقليات بكل أنواعها وعلي مختلف أشكالها أن الاندماج قيمة مطلوبة ولابد منها وأن الاندماج لا يعني التنازل عن الثوابت الدينية.. والاندماج أيضًا لا يعني التنازل عن الثوابت الدينية.. فلنمارس القيم الدينية بكل صدق لقبول الآخر.. ولنطبق شعارات الديمقراطية ومواثيق حقوق الإنسان علي الجميع بلا تفرقة علي أي أساس بهذا وحده يصبح الإنسان معجزة الله في هذا الكون وهو أيضًا كذلك.