كئيبة ومفزعة تلك الصورة التي تطرحها وسائل الاعلام العالمية ، وخاصة الامريكية والاوروبية، عن مصروالمصريين بعد اكثر من عامين علي ثورة 25 يناير التي اعتقدنا ومعنا العالم كله انها ستنقلنا الي صدارة الدول المتقدمة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا. نظرة سريعة لهذه الصورة توحي بأن مصر اطاحت باستبداد نظام مبارك لكي تستبدله بدكتاتورية جديدة .. انتهاكات مروعة لحقوق الانسان .. قمع للحريات .. انهيار اقتصادي يهدد بالوصول لمرحلة المجاعة .. انفلات امني مروع .. فتنة طائفية قد تقود البلاد الي حرب اهلية .. حرمان المرأة من حقوقها المشروعة .. صدامات لا تتوقف بين الدولة من ناحية ومؤسسات المجتمع الأساسية مثل القضاء والاعلام !! هذه مجرد ملامح من صورة مصر التي تتناقلها وسائل الاعلام العالمية المرئية والمقروءة والمسموعة والتي لم تعد تري فينا سوي ما يدفع الي الحزن واليأس والاحباط. وفي مواجهة هذا المشهد المؤلم يتعين علي اي عاقل ان يتوقف ليطرح سؤالا بديهيا..هل هذه صورة مصر الحقيقية الآن؟ بداية لابد من الاعتراف بأن الكثير من السلبيات التي يتحدث عنها الاعلام الدولي لا يأتي من فراغ، بل ومعظمها واقع لا جدال فيه بشهادة المصريين انفسهم. ويجب الاعتراف ايضا بأن معظم المشكلات التي تواجهها مصر الان ترجع في الاساس الي فشل الحكومة، وربما النظام كله، في ادارة شئون البلاد بالشكل الذي يحشد كل القوي السياسية وراء هدف تحقيق طموحات الثورة المصرية و الحيلولة دون عودة الأوضاع الي ما كانت عليه خلال حكم الاستبداد السابق، خاصة بعد أن وصلت الامور الي حد تلميح بعض القوي باللجوء للمحكمة الجنائية الدولية لاتخاذ اجراءات ضد الدولة المصرية ودعوة الجيش لتولي السلطة وهو ما يعكس حالة الانقسام الرهيب الذي تعيشه مصر الآن، ويضيف بعداً درامياً علي ملامح الصورة المصرية المروعة في الاعلام والصحافة الاجنبية حيث المصريون متطرفون متعصبون فاسدون لايؤمنون بالديمقراطية متعطشون للسلطة عاشقون للاستبداد او بلطجية متوحشون!! ورغم مصداقية الكثير من ملامح هذه الصورة القبيحة إلا ان الموضوعية تقتضي وضعها في اطارها الصحيح علي الاقل باعتبارها تعبر عن مرحلة انتقالية مؤقتة تمر بها مصر ولايمكن ان تكون هي الصورة النهائية او النتاج الأخير لثورة يناير. المسئولية الاساسية في توضيح الحقائق واستبعاد الشائعات والافكار والممارسات الشريرة المعادية للثورة هي بالتأكيد مسئولية الدولة في المقام الاول والتي يجب ان تغلف مواقفها وقراراتها بالشفافية الكاملة وأن تسعي بصدق لتحقيق أهداف الثورة المصرية بعيداً عن أي إنحياز سياسي أو فئوي أو طائفي. ولا شك ان الاعلام الوطني يجب ان يتحمل مسئوليته في هذه المهمة ليس بطريقة تزييف الواقع وخداع الجماهير كما كان يحدث في عهد الطغيان الذي أنهته الثورة بل من خلال الرصد الموضوعي للأخطاء والقاء الأضواء علي الحقيقة كاملة بسلبياتها وايجابياتها بعيداً عن نظرية المؤامرة والتشكيك في مواقف وقرارات هذا الطرف او ذاك. وأعتقد ان الوقت قد حان لكي تتحرك سفاراتنا ومراكزنا الاعلامية في الخارج للاجابة علي كل التساؤلات وتوضيح ما خفي علي الصحفيين ورجال الاعلام الاجانب، خاصة ان هناك ايضاً بعض الأكاذيب التي يركز عليها الاعلام الأجنبي سواء عن قصد أو دون وعي، مثل أكذوبة بيع آثار مصر و أراضيها وتأجير قناة السويس و التفريط في حدود الوطن بسيناء وحلايب وشلاتين وغيرها!!! إن الوسيلة الوحيدة لإقناع العالم بمصداقيتنا هي تقديم الحقائق الكاملة وتفسير اي غموض يحيط بالتطورات علي الساحة المصرية دون اي محاولة للكذب او التجميل. ان مصر تستحق صورة حقيقية غير مشوهة، ولا يضيرنا ابداً ان تظهر في هذه الصورة بعض التجاعيد او الجراح ما دامت تعكس الواقع الذي نعيشه. الشعب المصري كله يحلم بصورة اخري غير تلك التي يراها العالم الآن.. صورة لا تقل روعة عن تلك التي عبر عنها المبدع صلاح جاهين وغناها الفنان عبد الحليم حافظ في الستينيات من القرن الماضي.. »خضرة ومية.. شمس عفية.. وقبة سما زرقا مصفية.. ونسايم حلم وحرية.. ومعالم فكر ومدنية.. ومداين صاحية الفجرية علي اشرف ندهة وادان.. دي بلدنا مصر العربية منورها الايمان.. صور يا زمان«.