خضرة ومية وشمس عفية وقبة سما زرقا مصفية ونسايم سلم وحرية ومعالم فن ومدنية ومداين صاحية الفجرية علي أشرف ندهة وأدان دي بلدنا مصر العربية لم يكن صلاح جاهين بكلماته تلك يغرد خارج السرب وهو يصف مصر، الطبيعة والمناخ والحلم، فهو منتج طبيعي لشعب سخي المشاعر اختبر سريان النهر واكتسب رحابة وأريحية المزارع المسالم، عندما تقول له صباح الخير يرد صباح النور، وفي الصعيد يضاعف هذا الخير في رد عبقري: خير صباحين، وتمتد السلسلة؛ اتفضل.. يزيد فضلك، ويبقي الخير والسلام مفردات اساسية طول النهار حتي عندما يخلد الي النوم.. تصبح علي خير.. وانت من اهل الخير، وحتي عندما يبلغك خبر مرض قريب أو صديق يقرنه بألفاظ متفائلة تحمل معني الصحة : فلان بعافية شوية، وفي خبر الوفاة يستحضر الحياة : فلان تعيش انت، وعندما يأتي علي ذكر أحد الراحلين، تكون دعوة الحياة حاضرة، فلان طولة العمر ليك، وعندما تأتي سيرة مرض يسبقها " الشر برة وبعيد "، ولا يذكر مرض السرطان باسمه انما يكني عنه ب "المرض البطال"، وفي حال أن يكون المريض علي اسم المستمع فلابد أن يسبق الحديث أو يعقبه "سلامة الأسامي"، وفي الموروث الشعبي رؤية المسلم للرموز المسيحية في الحلم "نصرة"، بحسب رصد أستاذة علم الاجتماع الدكتورة هدي زكريا، الأمر الذي يكشف رقة وحصافة الحوار الشعبي الذي لا يخدش المشاعر ويقدم الحياة علي الموت والصحة علي المرض، وربما يشير ذلك الي احد اسرار الشخصية المصرية السوية وقد اختزل هدف الدين في ايجاز شديد التحضر: الدين المعاملة، وفي العقل الجمعي ابتدع شعار الدين لله والوطن للجميع، وهو يدافع عن سر بقائه في مواجهة محاولات تفتيت الوطن عبر احياء نعرات الطائفية التي تكسرت امواجها العاتية علي صخرة الاندماج الوطني. ومن اللافت أن تلك التعبيرات تتجاوز الانتماء الديني فتجدها عند المصري المسلم والمصري المسيحي، وهي عنصر موحد، ولعل هذا يجعلنا نقاوم كل اشكال سعي الفرز الطائفي في الشارع والذي بدأ يحفر له مسارات في الحياة العامة، استناداً إلي مرجعيات راديكالية تتشبث بالشكل حتي لو جاء علي حساب الجوهر في تسكين مريض للضمير الشعبي، ويعتمد في تسويق اجندته علي مغازلة العاطفة الدينية عند القاعدة الشعبية العريضة، وبث ثقافة الاستهداف الغربي للإسلام عبر مؤامرة كونية تتضافر عناصرها للقضاء عليه، وقد كانت اللحظة الفارقة هزيمة يونية 67 والتي انهار معها الحلم القومي العروبي، خاصة وأن العدو القابع علي الضفة الأخري للنهر يؤسس كيانه علي مرجعية دينية عنصرية، وعندما جاء النصر، اكتوبر 73 الذي كان ثمرة اعادة ترتيب الأوراق والإعداد الصحيح للجيش والجبهة الداخلية والأخذ بأسباب العلم، حاولت القوي الراديكالية اختطافة الي مربعهم فروجوا بين العامة أن قوي روحانية جاءت لتحارب بنفسها بين صفوف الجنود بل وفي مقدمتها، وهي بهذا تضرب قيمتين في مقتل، قيمة إعمال العقل لحساب الغيبيات فيما يشبه حديث الخرافة، متسلحين بكون الاقتراب من الطرح المتدثر بالدين خطاً أحمر، في مناخ متراجع ثقافياً. ووطن يعبر مضيقاً اقتصادياً واجتماعياً تستهدفه قوي متنمرة تسعي لأن ترث مكانته الإقليمية والمحورية علي خلفية الثراء الذي أصابها كواحدة من تداعيات حرب اكتوبر الباسلة. وتضرب قيمة الجهد العسكري والمدني المضني بكل صوره وما استبقه من اعداد ذهني ومادي وبشري، بدأه الرئيس الراحل جمال عبد الناصر واستكمله الرئيس الراحل انور السادات، وما تحمله الشعب من معاناة لسنين عديدة، وفيها برزت قيمة المواطنة والاندماج الوطني فكان اصطفاف المصريين فيها متجاوزاً الانتماءات الدينية والفكرية، ففيما كان الجيش الثالث الميداني يقوده اللواء سعد مأمون، كانت الفرقة 18 مشاة في مقدمة الجيش الثاني الميداني يقودها العميد فؤاد عزيز غالي تعبر القناة وبدأت تحرر مدينة القنطرة شرق بعد أقل من عشر دقائق من العبور، وتدمر طابور دبابات مكون من 37 دبابة وتؤسر قائدها العقيد عساف ياجوري وفي تطور لاحق يصدر قراراً بترقية غالي الي رتبة اللواء وتعيينه قائداً للجيش الثاني في 12 ديسمبر 73 علي خلفية الكفاءة والجدارة كمعيار وحيد للترقي. لم تتوقف القوي الرجعية عن سعيها لتقويض اركان الدولة المدنية، وكانت الرياح مواتية بعد تبني توجه المواجهة مع القوي الناصرية واليسارية ببعث الخلايا الراديكالية من قوي الاسلام السياسي، مدعومة بموجات الهجرة المؤقتة لدول الخليج، فكانت الرسائل تتوالي للشارع المصري تربط ثراء الخليج بالتدين، ولم تقتصر مقتنيات العائدين علي بعض من الأجهزة المنزلية المعمرة، بل تجاوزتها الي منظومة فكرية تحمل ملامح التصحر والبداوة بالمخالفة للوسطية المصرية المتأثرة برحابة الزراعة وسريان النهر، وتدعمت ايضاً بما حمله العائدون من افغانستان الذين سارعوا قبلاً بالتطوع لمساندة الأفغان في مواجهة الاحتلال السوفيتي الذي انتج فيما بعد ما عرف بالأفغان العرب، بما تراكم لديهم من خبرات حرب العصابات، كانت الأرض ممهدة لشيوع الفكر المتصحر وتفعيل العنف المؤدلج . ورغم كل الجهود المبذولة من القوي المستنيرة فمازال الخطر قائماً، بعد أن تغلغل إلي العديد من مناحي الحياة، بما يهدد حيادية مؤسسات تحمي السلام الاجتماعي وتكون الفكر والوجدان الجمعي، وتخترق انشطة كانت فاعلة في شيوع فكر الاندماج، ومنها الرياضة علي سبيل المثال والتي تكاد تسقط في فخ التديين الشكلي، فلم نعد نري غضاضة في ان نطلق علي الفريق القومي لكرة القدم " فريق الساجدين " وكأن السجود أحد مقومات اعداد الفريق بل وكأن السجود قاصر عليه، فيما يحسب السجود شعيرة مستقرة في كل الأديان السماوية، لكنها رسالة ملغومة تعيد انتاج ثقافة التغييب، فيما كانت الرياضة مدخل المصالحة بين القطبين المتصارعين الولاياتالمتحدة والصين، حين قام فريق كرة الطاولة الامريكي بزيارة الصين في الفترة من 10الي 17 ابريل عام 1971 وكان هذا اول وفد امريكي يقوم بزيارة الصين بعد تأسيس جمهورية الصين الشعبية تلبية لدعوة من الصين، وهو ما فتح ابواب التبادلات بعد قطيعة استمرت 22 عاما بين البلدين، واطلق علي ذلك اسم "دبلوماسية كرة الطاولة"، حيث "تدفع الكرة الصغيرة الكرة الكبيرة".. الخطر ان ترتد الكرة من ملعب الاندماج الي أحراش التمييز في رسالة مفخخة تتغلغل في الفكر الشعبي، والأخطر أن يحسب الكلام في هذا الشأن معاديا للدين وربما يحسب ضمن مؤامرة كونية علي الدين، والخطر هنا لا يتعلق بالعلاقة بين الاقباط والمسلمين بل في استبعاد لاعبين مسلمين لأنهم غير ملتزمين دينياً، وهو مصطلح مطاطي يختطف فيه مسئولو الفريق دوراً ومهام ليست لهم. يا زمان صورنا صورنا يا زمان حنقرب من بعض كمان و اللي حيبعد م الميدان عمره ما حيبان في الصورة هل نستطيع أن نوقع هذه الكلمات مع المبدع المهموم بالوطن صلاح جاهين علي واقعنا.. فإذا صورنا الزمان اليوم هل سيجدنا متقاربين.... أم سيقدم لنا ألبوم صور كل علي حده.. في ضوء سعي البعض لاختراق تقاربنا ممن يتربصون بنا وباندماجنا؟!.