كان بمقدوره ان يخرج لنا لسانه، لكن أدبه الجم وحرصه علي مشاعرنا ووطنيته الشديدة وسمعته الطاهرة وكرم أخلاقه وحسه المرهف وحكمته وحنكته منعته من ذلك فاكتفي بابتسامة شماتة صفراء اطلقها في وجه كل الذين كانوا وراء ايداعه مزرعة طرة بعد خلعه!.. ها هي الاصابع التي كان يلعب بها في مناخيره يلوح بها مزهوا إلي القطيع الغائب عن الوعي والذي مازال يردد كالببغاوات »ولا يوم من أيامك«! قولوا في الاخوان المسلمين ما شئتم، إلعنوا اليوم الذي وصلوا فيه إلي سدة الحكم، ولا تمنحوهم أصواتكم في أية انتخابات قادمة، وانتقدوا مؤسسة الرئاسة، واكنسوا مسجد السيدة زينب علي الحكومة ورئيسها، ولكن لا تقولوا إن أيام المخلوع كانت سمن وعسل نحل وخير وبركة! إياكم أن تنسوا أنه المسئول الاول عما وصلت إليه مصر من تجريف لعقولها وثرواتها طوال 30 سنة، وها هي تجني ثمار »الرخاء والرفاهية« التي حرمنا منها منذ 11 فبراير 2011! قلتها مرات وأكررها من جديد: لو جاء »إبليس« ليحكم مصر لم يكن ليفعل بها ما فعله المخلوع.. لو فعلها إبليس لم يكن ذلك غريبا عليه!.. المهم لعل الاخوان يفهمون الرسالة التي تحملها ابتسامته الصفراء وشماتته! لم - ولن - أنسي تلك الابتسامة التي أصابتني بكل أنواع القرف، ولم ينقذني يومها - صباح السبت الماضي - سوي كلمات من طرف ثالث.. هكذا وصف نفسه .. كلماته بعث بها إلي الذين قدموا أرواحهم قربانا لمصر ومنحونا الحياة وقبلة الحرية بدماء زكية.. إلي أنبل الشباب.. مصطفي وطارق .. مايكل وسالي وسلمي وشهاب وعماد ومينا وكريم و.... و.... استغرقت في قراءة كتاب »ينايري« لصاحبه أسامة منصور الذي أهداني اياه وبدأه بكلمات تقول: »من وحي انقياء ونبلاء يناير.. ينايري رسالة أمل لغد أفضل.. يناير آخر أكثر عدلا أكثر وعيا أتمناه قريبا«.. شتاء يناير 1102.. يتذكره أسامة منصور قائلا: من كان يصدق أن هذا الشتاء الرتيب إلي حد السكون والملل، لن يكون كمثله من شتاءات ماضية عشناها.. تعودنا عليها.. مرت ساكنة رتيبة.. تخبئنا خلف جدار اليأس نلتحف جدار اليأس فرداء من البؤس. من كان يصدق ولو للحظة من السائرين في ميدان التحرير المزدحم الصاخب دائما متشعب الخطوط الملتفة حول صينية صغيرة مزروعة ببعض الأشجار نحيفة البنيان قليلة الورق، رغم ذلك فهي صامدة غير عابئة بشيء حولها، مانحة قليلا من الهواء النقي المختلط بكثير من عوادم سيارات كثيرة عابرة باستمرار بلا توقف، سيصبح هذا الميدان بشجيراته وازدحامه وتاريخ مبانيه الضارب في القدم ولأمد طويل، أشهر ميادين الحرية في العالم. هنا ميدان الحرية وموطن الثورة، مهرجان الهتافات والشعارات مشتعل بها ليل نهار.. هنا علم مصر وقلبها النابض، هنا دُمي النظام السابق معلقة بمشانق حمراء خلف قضبان حديدية انتظارا لمحاكمة شعبية.. هنا مستشفي ميداني بملائكة الرحمة.. هنا الشعراء والأدباء والفنانون.. هنا جميع التيارات.. هنا المسيرات.. هنا ساحة الشهداء وسجل الشرف وتاريخ أقسم صانعوه أن يكتبوه حروفا من نور. هنا الجميع تحت علم واحد ينادون »عيش حرية كرامة عدالة اجتماعية«.. هنا الحماس يملأ القلوب وأحلام بمستقبل أفضل.. قتلنا الخوف جوانا وصرخنا »مش بنخاف ولا بنطاطي، احنا كرهنا الصوت الواطي«. كلمات وكلمات.. وعندما يلملم أسامة منصور أوراق دفتره ويجمع شتات أفكاره قال: حتي اشعار آخر.. حتي يناير آخر.. أشهد ان عبقرية الثورة وايقونتها انها سلمية.. ان الثورة لم تكتمل بعد.. لم يعد حق شهيد حتي تاريخه.. رأس النظام سقط أما النظام لم يسقط بعد.. بل يظل طرفا ثالثا حاضرا أو بكامل المشهد.. أوعوا في هوجة الكلام.. دم الشهيد تنسوه.. دم الشهيد في رقبة كل »ينايري«!