هاني عزيز لو أخذنا بالبديهيات لعرفنا أن الدواء الذي يصلح للعلاج مرة لا ينبغي بالضرورة أن يكون الشافي في كل مرة، بل لو سألنا الخبراء في الطب لعلمنا أن الدواء الذي يفقد مفعوله قد يصبح بعد فترة ومع التكرار، إن لم يكن معالجا، بمثابة السم القاتل الذي يقود للهلاك، أكتب هذه المقدمة وفي ذهني ظاهرة المليونيات التي انتهجها المصريون منبرا لثورتهم ومنفذا لآرائهم خلال العامين الماضيين بل وإعتبرها العالم أيقونة الثورة المصرية ومظهر تلاحم ووحدة شعبها العظيم علي مدي 18 يوما تكاتف خلالها المسلم والمسيحي، السلفي والعلماني والليبرالي والإخواني والناصري في واحدة من أعظم بقاع مصر وهي ميدان التحرير ليسطروا جميعا صفحة من امجد صفحات التاريخ المصري الحديث. هذا ما حدث علي مدي ال18 يوما المجيدة، لكن ماذا بعد أن أدت ثورة المصريين المليونية لرسالتها وأزاحت نظاما وبدأت في إرساء قواعد غد جديد؟ بعد أن كانت مليونيات ال18 يوما هي رسالة وحدة الصف والكلمة والرأي، تحول تركيبها الجيني لتصير بعد ذلك منبرا للتعبيرعن الآراء المنفردة من هذا الفصيل أو ذاك، وبعد أن كان التحرير وسائر ميادين مصر تمثيلا واقعيا لبعض من كل هم جموع المصريين، أصبح بعدها ومن أسبوع لآخر ممثلا لفصيل مختلف من هذا التيار أو هذه الحركة أو هذا التوجه بل وأصبح مجالا لاستعراض القدرة علي الحشد واستفزاز قدرات الآخرين لحثهم علي الحشد المضاد، وبالطبع وبما أن الإجماع كان كلمة السر في أن تحقق ثورة المصريين في ميدان التحرير وإخوته من ميادين مصر لأهدافها، فإن غياب الإجماع والاختلاف والتباين بين مليونية وأخري في التوجه والرأي والمطالب بين فرقاء الساحة السياسية المصرية قد أفرغ الفكرة من محتواها وأسقط عنها قيمة الإجماع بل وازاح عنها الزخم الشعبي والاحتشاد الوطني اللذين كانا سر نجاحها، ولأن العلاج الفاعل كما قلنا قد فقد مفعوله، فقد تحول لسم قاتل يكاد يفتك بالوطن، فعندما لم يجد دعاة المليونيات الفصيلية نفس النتائج التي أفرزتها مليونية ال18 يوما المجيدة وهذا أمر طبيعي ومنطقي في ضوء ما سبق ذكره، تحولوا عن السلمية التي صبغت ثورة مصر العظيمة في أيامها المجيدة الاولي لمظاهر عنف وقتل وحرق وتدمير لمنشآت ومبان منها - ما لم نعوضه أبدا مثل مبني المجمع العلمي والذي أعتقد أن حرقه سيظل سبة في تاريخ مصر، بل وأظهرت بوادر الحرب الأهلية بين فئات الشعب وهو الأمر الذي سيكون - إن حدث لا قدر الله - بمثابة الهلاك الفاني لهذه الأمة العظيمة التي زرعت ثورة أرادت بها أمنا و استقرارا فلم تجن حتي الآن الا قلقا ولضطرابا. أعزائي القراء، لاشك أن أعلي قيمة أفرزتها الثورة العظيمة هي قيمة الحرية والحق في التعبير عن الرأي بلا خوف ولا رهبة، ولكن لو أن العلاج الذي يستخدمه هذا التيار أو ذاك قد أثبت عدم فعاليته بل وصار وبالا علي الوطن، الا يجب عليه أن يغير طريقة العلاج إن أراد فعلا شفاء؟ .... أترك لكم الرأي.