د.حمدى حسن استعمل النبي صلي الله عليه وسلم رجلاً علي الصدقة، فجاء فقال: "هذا لكم وهذا أهدي لي" فقام رسول الله صلي الله عليه وسلم علي المنبر فقال: ما بال العامل نبعثه علي عمل فيقول: هذا لكم وهذا أهدي لي، أفلا جلس في بيت أبيه وأمه فينظر أيهدي إليه أم لا؟ والذي نفس محمد بيده لا يأتي أحدكم منها بشيء إلا جاء به يوم القيامة علي رقبته إن كان بعيراً له رغاء أو بقرة لها خوار أو شاة تبعر ثم رفع يديه.. ثم قال: (اللهم هل بلغت). أسوق هذا الحديث بمناسبة ما أثارته قضية إسترداد قيمة هدايا الصحف القومية من المخلوع وعائلته والتي بلغت 31 مليون جنيه من عدد كبير من التساؤلات ألقت الضوء علي حقائق كانت سائدة ويعمل بها كقواعد وأعراف، فبعض المؤسسات والشركات اعتادت بمناسبة رأس السنة الميلادية أن توزع هدايا رمزية كدعاية أو علاقات عامة وخلافه، تطورت إلي أن أصبحت السنة كلها عيدا، والهدايا باهظة الثمن تؤدي كرشاوي للمسئولين لتحقيق مصالح معينة للمؤسسة أو بالأصح قياداتها بالصورة العفنة التي ظهرت بها أخيرا، هذا المبلغ الضخم بأي واجب كان يؤدي؟ وبأي حق كان يؤخذ؟ بمعني ماهو الواجب علي الأهرام أو الأخبار أو الجمهورية كمؤسسات صحفية أن تؤدي هذه المبالغ للرئيس المخلوع أو زوجته أو أبنائه، وبالمقابل بأي حق كانوا يأخذون ويقبلون هذه الأموال الطائلة والهدايا باهظة الثمن؟ هذه الصحف كانت مدينة بملايين الجنيهات للدولة ضرائب ومتأخرات بل إن ما يتم تحصيله من ضرائب علي الإعلانات لصالح الدولة، لم تكن تؤديه وتستولي عليه رغم تحصيله بالفعل ورغم ذلك لا تتورع أن توزع من أموالها بهذا الشكل وبهذه الطريقة الفاسدة، والنتيجة عدم المطالبة بحق الدولة والأهم هو التجديد باستمرار للقيادات الصحفية المسيطرة علي هذه المؤسسات حتي لو وصلوا إلي السن القانونية للتقاعد ماداموا يتمتعون بسعة الأفق أو بخفة الدم أو خفة اليد »ماتفرقش«. 31مليون جنيه هدايا للعائلة الحاكمة فقط »أربعة أفراد« خلال 4 سنوات وماخفي كان أعظم كفيلة برفع مرتبات كل صغار شباب الصحفيين ب 1000 جنيه شهريا دون أدني ضغط علي ميزانية مؤسساتهم وهو بالنسبة لهم طفرة لايحلمون بها في ظل الأوضاع القاسية الحالية. إستتبع هذا بالتأكيد أن المستويات الأدني إن صح التعبير تقبل بهذه الرشاوي بالترحيب والاهتمام والنظر أيضا بعين الرعاية لمن يقدمها فرأينا رئيس مجلس الشعب ورئيس مجلس الشوري ورئيس الوزراء وهلم جرا ملايين تنفق في صورة هدايا وهي في حقيقتها رشاوي لشراء الذمم والمناصب والتغاضي عن السرقات واعمال النهب المنظم. ولم يكن غريبا دخول النائب العام السابق ومساعده أيضا في هذه اللعبة القذرة فقد رأينا قبوله صاغرا سداد مبالغ بعشرات الألوف قيمة هدايا حصل عليها بدون وجه حق، وهي إهانة مابعدها إهانة لبعض قضاة هذه الفترة الحالكة السواد بالغة الفساد في تاريخ مصر في ذات الوقت الذي تعتبر فيه فخرا لقضاة مرحلة الإصلاح الثوري لإصلاح ما أفسده الفاسدون وارتضاه المرتشون، إن انخراط أغلب شاغلي الدرجات العليا في الدولة في مثل هذا الفساد أنشأ شبكة فساد منظمة وغير مسبوقة تدافع عن مصالحها وتمنع اختراقها أو تفكيكها بأي شكل من الأشكال، فلم يكن استبعاد رئيس الجمهورية كافيا للقضاء عليها بل الأصح أنهم ضحوا به تحايلا من أجل إعطاء أنفسهم فرصة وفسحة من الوقت للحفاظ علي مكاسبهم وشبكتهم من الانهيار، مثلا يأمن من المحاسبة ويجلس سنوات طويلة علي كرسيه دون أن يحاسبه أحد. ما الذي يجعل كل رؤساء تحرير الصحف القومية بعد انتهاء عمرهم القانوني في رئاستهم لمؤسساتهم يتم المد لهم دون سند من قانون أو منطق. لذلك كنا نري حرصهم علي مساندة بعضهم البعض هنا وهناك والقبلات الحميمية غير المسبوقة بينهم والتي رأيناها علي الهواء مباشرة أصبحت غير مستغربة بعد كشف المستور. هذا ما تم الكشف عنه في بند واحد من مؤسسات الدولة، هدايا الصحف القومية ، فإذا علمنا أن مؤسسات عديدة كانت تسلك ذات النهج نستطيع أن نتكهن كم الأموال الحرام التي استولي عليها هؤلاء وزوجاتهم وأبناؤهم، البنوك كانت تصدر هدايا بمناسبة رأس السنة الميلادية، شركات مختلفة كانت تصدر هدايا بمناسبة رأس السنة الميلادية، بالتأكيد قناة السويس كانت تصدر هدايا بمناسبة رأس السنة الميلادية، هذا غيض من فيض وهدايا رأس السنة لاتقاس أبدا بعمولات وهدايا من شركات ومؤسسات تتعامل بالمليارات وليس بالملايين يجب أن نفتح ملفاتها ويعرفها الرأي العام، إن مطالبة من نهبوا المال العام برد الأموال وقيمة الهدايا التي حصلوا عليها دون وجه حق غير كاف بل يجب محاسبة من أعطوا لهم هذه الأموال وقدموا هذه الهدايا، أسرة الرئيس تنهب 31 مليونا في صورة هدايا خلال أربع سنوات من بند واحد فقط من 3 صحف قومية، واليوم وقت كتابة المقال يتم الإعلان عن صاحب محطة وقود استولي علي وقود مدعم قيمته 40 مليون جنيه خلال 8 سنوات وأسرة رجل الأعمال الشهير المتهرب من 14 مليار جنيه والمذيع المتهرب من 2 مليون جنيه، من أسرة الرئيس إلي أسرة صاحب محطة الوقود كم أسرة وكم مليارا من خيرات الوطن نهبت، هؤلاء الذين استحلوا المال الحرام بهذا الشكل هدايا أو تهربا ضريبيا والشعب يئن من الفقر والبطالة والغلاء وسكن المقابر، إننا نعاني ذات الأمراض التي عانت منها البشرية كلها ولن تعالج إلا بما عالجها به خالقها سبحانه ورسوله صلي الله عليه وسلم بإحياء الضمير وإعلاء فريضة الحلال والحرام في نفس كل منا، تبقي فضيلة أو خلق الرجولة أو الصدق فالرجل جاء للرسول صادقا مع نفسه هذا لكم وهذا لي، غير أننا أمام فئة من المسئولين خلطت الحابل بالنابل فلا يوجد حتي " لكم" وأصبح كله "لي"، مطلوب محاسبة الراشين كما حاسبنا المرتشين فكلاهما مجرم.