في عام 643 ميلادية أوفد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب.. القاضي النزيه محمد بن مسلمة الأنصاري إلي عمرو بن العاص والي مصر ليسلمه رسالة جاء فيها انكم معشر العمال قعدتم مع عيون الأموال فجبيتم الحرام وقد بعثت اليك محمد بن مسلمة الأنصاري ليقاسمك مالك وكانت الأخبار قد وصلت إلي عمر بأن عمرو بن العاص يختص جزءا مما يجيبه من الضرائب لنفسه فأوفد الأنصاري ليأخذ منه نصف ماله إلي بيت المال.. وعندما بدأ الأنصاري في حساب عمرو.. ومطالبته بما أمر به عمر.. أراد عمرو أن يستخدم ذكاءه فقدم هدية إلي الأنصاري فرفضها ولكن عمرو قال ان الرسول الكريم كان يقبل الهدايا ورد الأنصاري بأن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يقبل بالوحي ما شاء ويمتنع مما شاء ولو كانت هدية أخ إلي أخيه لقبلتها ولكنها هدية وراءها ما وراءها من نوايا شريرة.. ولهذا تم رفضها. وفي عهود كثيرة كان للهدايا سحرها لتذليل المصاعب وتحقيق الرغبات المطلوبة وعلي سبيل المثال ففي عام 892 ميلادية تولي الخلافة المعتضد بن الموفق وهنا سارع خمارويه إلي تقديم الهدايا والأموال إلي الخليفة الجديد لكي يتم تثبيته في حكم مصر والشام.. وقد استجاب لهذا الطلب وجدد له العهد لحكم مصر لمدة ثلاثين عاما.. ويقول المؤرخون انه لا جدال في ان الهدايا ذات القيمة العالية جدا والأموال التي بعث بها خمارويه إلي الخليفة كانت هي السبب في تثبيت ولايته علي مصر.. بل ووصل الأمر إلي ان خمارويه قدم ابنته قطر الندي إلي الخليفة لتكون عروسه..! أما الخديو اسماعيل فكان ضالعا في توزيع الهدايا والرشاوي وقبولها أيضا وفي عام 1867 دفع الخديو إلي الخليفة في الاستانة مبالغ طائلة وهدايا ثمينة لكي يحصل علي فرمان يخوله وخلفاءه أن يحصلوا علي لقب خديو.. كما اتفق الخديو في تركيا نحو مليوني جنيه علي حفلات وولائم وهدايا للمقربين من السلطان التركي. وفي إطار الاحتفالات التي أقيمت بمناسبة افتتاح قناة السويس في 17 نوفمبر سنة 1869 أهدي الخديو إلي كل المدعوين لحضور هذه الاحتفالات هدايا عبارة عن قطعة أثرية نادرة وهدايا قيمة وقد بلغت نفقات الحفلات التي اقيمت بهذه المناسبة مليونا و400 ألف جنيه كما ذكر عبدالرحمن الرافعي هذا بخلاف القصور التي تم تشييدها لإقامة ضيوف الخديو. وفي المقابل كان الخديو يقبل الهدايا ولكن من المواطنين الذين كانوا يرغبون في العمل وكما ذكر نوبار باشا كان كل مدير في مصر يشتري منصبه بمبالغ تدفع لاسماعيل المفتش وزير المالية التي كان يقوم بتسليمها إلي الخديو مقابل تعيينه في الوظيفة التي يريدها. وفي عام 1938 عندما تزوج الملك فاروق انهالت الهدايا من كل جهة حتي امتلأت نحو ثماني حجرات في قصر القبة. يقول الملك فاروق في مذكراته ان أكثر الهدايا كانت من أسرته وأثمنها كان طقم شاي بخلاف الذهب والمجوهرات ان الهدايا الأخري فهي لوحات زيتية وتماثيل برونزية مهداة من بعض العائلات الملكية في أوروبا وهناك هدايا أخري كانت ترد اليه من بعض المتاحف.. بالإضافة إلي ذلك لديه ورقة بنكنوت فئة العشرة آلاف جنيه استرليني ولا يوجد منها إلا ورقتان.. والثانية كانت علي ونستون تشرشل رئيس وزراء بريطانيا. وفي ظل النظام السابق كانت الهدايا لها أهمية خاصة ففي احدي السنوات أهدي الرئيس الراحل صدام حسين سيارات مرسيدس هدية لرؤساء تحرير الصحف ثم بدأت مؤسسات وهيئات كثيرة في توزيع هدايا قيمة علي المسئولين بمناسبة أعياد رأس السنة الميلادية وقد أخذ بعضها شكل هدايا غالية وقيمة وكانت تهدي لعلية القوم ولمن بيدهم مقاليد الأمور لدرجة ان بعضها يكاد يكون رشوة لأداء غرض معين. وكانت معظم الهدايا التي يتم توزيعها إما أن تكون ذهبية أو أجهزة كهربائية أو الكترونية ثم ظهر نوع آخر هو الساعات البلاتينية أو الذهبية والتي يقترب سعرها من المليون جنيه كما قيل هذا بخلاف الهدايا الورقية التي يحرص عليها البسطاء من الناس وهي النتائج والأجندات. والغريب انه يقال ان هناك قانونا يمنع المسئولين من الحصول علي هدايا ذات قيمة معينة.. وإذا حدث فإنها توضع في المتاحف أو في الخزانة العامة.. وفي أحيان أخري يشترط في قبول الهدية موافقة البرلمان.. وفي جميع الأحوال فإن للهدايا أسرارها.