بشهادة التاريخ سيذهب المصريون للإدلاء بأصواتهم غدا فى أول انتخابات حقيقية فلم يحظى المصريون طوال تاريخهم بحقهم فى اختيار من يمثلهم أو فى انتخاب من يحقق مطالبهم وطوال التاريخ لم يكن الشعب مشاركا مطلقا فى أى سلطة وكان مفروضا عليه دائما أن يدير ظهره عن قصر الوالى حيث يمارس عمله اليومى المرهق بحثا عن لقمة العيش فهذا هو الأهم دون النظر لمن يجلس على العرش .. غدا سيخرج المصريون عن صمتهم الأزلى للمشاركة فى صناعة مستقبلهم وفى اختيار من يمثلهم وقد انتهت كافة الترتيبات وأعدت الصناديق واللجان الانتخابية للتصويت .. حول تقييم هذه التجرية الفريدة من الناحية التاريخية يقول المؤرخ الدكتور عاصم الدسوقى أستاذ التاريخ الحديث بجامعة حلون أن انتخابات 2012 هى حادث فريد فى التاريخ المصرى فالمصريون كما قال على مبارك فى القرن التاسع عشر منذ انتهاء حكم الفراعنة اعتادوا على أن يحكمهم من هو غيرهم واعتادوا أن يتولى أمورهم حكومات وافدة ونتيجة ذلك فقدوا الثقة فى أن يحكموا أنفسهم بأنفسهم ولهذا نقول فى المثل البلدى ما يحكمش لأن المصريين عندهم عقدة من حكم أنفسهم فقد اعتادوا منذ الفراعنة على فكرة الحاكم الإله أو الحاكم الفرعون الذى يمنع ويمنح وبعد نزول الأديان السماوية كان الحاكم اختيار إلهى لا يجوز مخالفته فجاء الولاة والخلفاء وكانوا حكاما وافدين فى عهد الفتح الإسلامى وظل المصريون بعيدين تماما عن اختيار حاكمهم منذ عهد الفراعنة والفتح الإسلامى وحتى قيام ثورة يوليو حيث تم اختيار محمد نجيب بمبايعة من مجلس قيادة الثورة وتم الاستفتاء على جمال عبد الناصر والدستور فى عام 1956 ولم تكن انتخابات وكذلك الحال بالنسبة للسادات إلى أن جاء مبارك وعمل انتخابات تحت ضغط دولى ولم تكن انتخابات حقيقية .. لكن المصريين عرفوا لأول مرة ظاهرة الانتخابات والتصويت عام 1913 فى انتخاب الجمعية التشريعية التى كانت أشبه بالبرلمان وانتخب سعد زغلول وكيلا لها ولم تشكل الجمعية الوزارة ثم حدثت انتخابات أخرى عام 1924 وبمقتضاها شكل سعد زغلول أو وزارة دستورية فى مصر وقبل ثورة يوليو تمت الانتخابات 6 مرات فقط ومع هذا كان عدد الوزارات التى تعاقبت على الحكم 36 وزارة .. الخلاصة أن الانتخابات هذه المرة حادث تاريخى وتجربة هامة لم تتكرر فى التاريخ المصرى.. حكام مصر لكنه من الطرائف فى التاريخ المصرى أنه منذ الفتح الإسلامى لمصر أيام أمير المؤمنين عمر ابن الخطاب وحتى اليوم تعاقب على حكم مصر حوالى 400 حاكم واختلف مسمى الحاكم طيلة هذا التاريخ ففى عهد الخلافة الإسلامية كانت مصر ولاية تابعة لعاصمة الخلافة سواء كانت مكة فى عهد الخلفاء الراشدين أو دمشق فى عهد الدولة الأموية أو بغداد فى عهد العباسيين أو أسطنبول فى عهد الخلافة العثمانية وكان الحاكم يتم اختياره من قبل الخليفة أى من خارج الأراضى المصرية ولم يكن للمصريين طيلة هذه العصور أى مشاركة فى تحديد مصيرهم .. فمنذ عام 640 ميلادية أصبحت مصر ولاية تابعة لأمير المؤمنين عمر ابن الخطاب فولى عليها أبو عبد الله عمرو ابن العاص فى هذا العام فكان أول حاكم إسلامى عليها ثم خلفه عبد الله ابن سعد فى عهد عثمان ابن عفان عام646 ثم محمد ابن حذيفة ثم قيس ابن سعد ابن عبادة الأنصارى ثم محمد ابن أبى بكر الصديق فى عهد على بن أبى طالب وفى عهد معاوية والدولة الأموية تولى عمرو بن العاص حكم مصر للمرة الثانية بين عامى 659 و664 ثم عقبة بن عامر ومسلمة بن مخلد وسعيد بن يزيد وعندما بويع الأمير بن عبد الملك بن مروان عام 705 تولى ولاية مصر قرة بن شريك عام 759 وعبد الملك بن رفاعة وفى عهد عمر بن عبد العزيز تولى أيوب بن شرحبيل بن صفوان وحنظلة بن صفوان .. الملك فاروق وعندما قامت الدولة العباسية فى بغداد ولى الخليفة العباسى صالح بن على بن عبد الله واليا على مصر عام 750 ثم خلفه أبو عون بن عبد الملك بن يزيد 751 وفى عهد أبو جعفر المنصور تولى ولاية مصر عيسى بن لقمان ومنصور بن يزيد بن منصور وفى عهد هارون الرشيد عام 786 تولى حكم مصر موسى بن عيسى ثم خلفه 20 واليا .. ثم ثار الولاة العباسيون على الخليفة واستقلوا بحكم مصر وجعلوها ملكا لهم يتوارثها أبناؤهم فقامت الدولة الطولونية وأصبح الوالى سلطانا فتولى أحمد بن طولون الحكم عام 868 ثم خلفه خمارويه ثم خلف خمارويه شيبان ثم قامت الدولة الإخشيدية 933 التى أقامها الإخشيد ثم تتابع الخلفاء عليه إلى أن قامت الدولة الفاطمية 973 فتوالى الحكام وكان أبرزهم الحاكم بأمر الله الذى تولى حكم مصر فترة طويلة بين عامى 996 و1020 ثم خلفه الظاهر بالله والمستنصر بالله والمستعلى بالله والحافظ بالله والظافر والفائز وغيرهم .. ثم قامت الدولة الأيوبية فى مصر وتولى الملك الناصر صلاح الدين حكم مصر عام 1171 ثم خلفه الملك العزيز عماد الدين بن صلاح الدين ثم الملك المنصور ناصر الدين محمد بن صلاح الدين ثم الملك الصالح نجم الدين أيوب والملك توران شاه ثم حدث تطور فريد فى التاريخ المصرى بتولي سيدة عرش مصر وهى عصمة الدين أم خليل شجر الدر عام 1250 . ثم ثار المماليك فى هذا العام وأنشأوا دولة المماليك البحرية التى قامت من جزيرة الروضة فى قلب النيل وتعاقب الولاة المماليك وكان أبرزهم سيف الدين قطز ثم الظاهر بيبرس وورثته ثم تطورت الدولة المملوكية واستمرت حتى هزيمتهم أمام العثمانيين فأصبحت مصر ولاية عثمانية منذ عام 1517 وأصبح حاكم مصر يسمى الباشا العثمانلى الذى يصدر قرارا بتعيينه من السلطان العثمانى وتوالى على حكم مصر من الولاة العثمانين حتى مجىء محمد على حوالى 100 والى .. ثم جاء محمد على بضغط من شيوخ الأزهر وكانت هذه أول مرة يختار فيها المصريون شخصا يرأسهم وكانت المفارقة أنهم لم يختاروا مصريا فاختاروه جنديا ألبانيا كان موثوقا فى قدرته على القيادة وكان محمد على وجاء محمد على وأنشأ الدولة الحديثة وسعى للاستقلال بها عن التبعية العثمانية وأصبح خلفاؤه من أسرته فخلفه إبراهيم باشا ثم عباس باشا الأول ثم سعيد باشا ثم تغير لقب الحاكم ليصبح الخديو فى عهد إسماعيل ثم خلف إسماعيل توفيق ثم عباس حلمى الثانى ثم أصبحت مصر سلطنة فتولى السلطان حسين كامل الحكم ثم أصبحت مملكة فى عهد فؤاد الأول ثم خلف فؤاد الأول الملك فاروق ثم قامت ثورة يوليو .. وبعد ثورة يوليو قامت الجمهورية الأولى وتولى المصريون لأول مرة فى تاريخهم إدارة شئون بلادهم وفى هذه المرة أعاد المصريون ظهورهم للأمام وأعطوا وجوههم للحاكم الذى أصبح منهم ورغم ذلك لم يكن مسموحا لهم بأن يختاروا وجرى اختيار الرئيس بالاستفتاء فالرئيس يأتى ويعيش فى الحكم إلى ما شاء الله وكل كام سنة يتم الاستفتاء عليه وهذا ما كان عليه الواقع حتى جاء مبارك وأحدث تغييرا مصطنعا فى هذه المنظومة .. محمد نجيب جاء مبارك وعمل تعديلات دستورية وسمح بإقامة أول انتخابات لاختيار الرئيس لكن ترزية القوانين كما هو معلوم تدخلوا فى إرادة الشعب ووضعوا بنودا تخلى الساحة تماما للرئيس المخلوع ونجله فى إطار مشروع التوريث .. هكذا يدل هذا العرض التاريخى المبسط على أن الانتخابات هذه المرة وبهذا الأسلوب هو حادث فريد فى تاريخ المصريين لم يتكرر من قبل فلم تكن لهم فرصة التصويت والاختيار ومتابعة المرشحين. والجديد أنهم سيذهبون غدا لصناديق الانتخاب وهم فعلا لا يعرفون من هو الرئيس القادم الذى سيأتى بإرادتهم الحرة لأول مرة فى التاريخ !!