بعد سنوات من الانتظار و الجدل وافق مجلس الوزراء علي مشروع قانون الصكوك و أحاله إلي مجلس الشوري لإصداره.. بعد ان بلغ حجم المعاملات المالية الاسلامية في العالم 1.4 ترليون دولار، نصيب السوق المصري منها يكاد لا يذكر، فهي تعتمد في الجانب الأكبر منها علي الصكوك كأداة اساسية للتمويل و السوق المحلي لا يعرف الصكوك حتي الآن، رغم مطالبة الكثيرين بضرورة تطبيقها منذ سنوات طويلة. بعد ثورة 25 يناير عاد الحديث عن الصكوك من جديد، مصحوبا بالآمال في تطبيقها بالفعل.. ولأن الصكوك بطبيعتها نشأت كأحد صور التمويل المتوافق مع الشريعة، واجازها عدد من الجهات الفقهية علي مستوي العالم من بينها مجمع الفقه الاسلامي الدولي، فقد بادرت الاحزاب السياسية ذات المرجعية الاسلامية إلي مساندة خبراء العمل المصرفي والبنوك المطالبين بتطبيقها، ولكن القانون الذي عاني الأمرين يواجه الآن تحديا جديدا.. فقد قرر البعض اخراجه من اطار أدوات التمويل واقحامه في دائرة الخلافات السياسية، وبدأت الدعاوي بتأجيل اصدار القانون باعتباره مطلبا لاحزاب بعينها. فهل إصدار قانون الصكوك الآن مطلب سياسي أم هو ضرورة اقتصادية؟ للوصول الي اجابة موضوعية عن هذا السؤال لابد في البداية من الوقوف أمام بعض الحقائق حول موقف الاقتصاد القومي بعد عامين من الثورة والاضطرابات المتواصلة و النزاعات السياسية وما تبع ذلك من تراجع للسياحة والاستثمار الاجنبي وارتفاع لاسعار السلع، الارقام تؤكد أن عجز الموازنة العامة ارتفع ليصل الي 119 مليار جنيه، فقد أدي تزايد المطالب الفئوية، الي جانب النقص الشديد في الخدمات الاساسية والمرافق من مياه وكهرباء ووسائل النقل.. وغيرها بالاضافة الي القصور الشديد في صيانة المتواجد منها، كل ذلك نتج عنه ضغط شديد علي الموازنة العامة للدولة، في الوقت ذاته تراجعت السياحة بشدة وانسحب الاستثمار الاجنبي في كثير من القطاعات ، وهو ما نتج عنه نقص كبير في موارد النقد الاجنبي.. لمواجهة العجز في الموازنة العامة لجأت الحكومة للاقتراض من السوق المحلي اسبوعيا في صورة اذون خزانة وسندات حكومية، وهو ما ترتب عليه سحب جانب كبير من الموارد المالية لدي البنوك، وتجاوز اجمالي الدين العام المحلي 1.331تريليون جنيه، كما زادت الحكومة اقتراضها من الخارج لتدبير النقد الاجنبي سواء بالحصول علي قروض صريحة او بقبول ودائع بالنقد الاجنبي من بعض الدول الصديقة، وهو ما يعتبر صورة اخري للإقتراض. في ظل هذا الوضع الاقتصادي يرشح الخبراء الصكوك باعتبارها أحدي وسائل التمويل التي يمكن ان تضاف للسوق لتدبير التمويل اللازم لمشروعات التنمية ولجذب استثمارات اجنبية يمكن ان تساهم في تدبير النقد الاجنبي اللازم لاستيراد السلع الاستراتيجية. طريقة عمل الصكوك تتضمن الصكوك ما يزيد عن ثلاثين نوعا، تغطي جوانب واساليب مختلفة من التمويل المتوافق مع الشريعة من امثلتها صكوك المرابحة ، والتي توفر بيع بالاجل وصكوك الاستصناع والتي توفر التمويل اللازم لبناء منشأت ، ومن الامثلة البسيطة التي يقدمها الخبراء علي صكوك الاستصناع بناء مدرسة.. فلو ان قرية تحتاج مدرسة فان الحكومة يمكن ان تعلن من خلال شركة ذات طبيعة خاصة عن فتح الاكتتاب في مشروع بناء المدرسة وتتعهد باستئجار المدرسة من الملاك لمدة 20 سنة تنتهي بالتملك، هنا يمكن للمستثمرين او حتي سكان القرية ان يكتتبوا في بناء المدرسة وتستأجرها منهم الحكومة، بمبلغ ثابت يمثل ايجار المبني- الربح المطلوب من الاستثمار - وجزء من ثمن المدرسة وفي نهاية المدة تكون الحكومة قد تملكت المدرسة تماما وحملة الصكوك قد استعادوا اموالهم وارباحها، ويمتاز هذا الاسلوب بانه مكن الحكومة من تنفيذ مشروع تنموي دون ان تتحمل عبء انشائه بالكامل، في الوقت ذاته يوفر المشروع فرصة استثمارية جيدة لاصحاب المدخرات تحقق لهم عائدا مضمونا ويناسب من يرغبون في استثمار متوافق مع الشريعة... الصور المطبقة للصكوك في العالم عديدة، اما المزايا فمنها جذب الاستثمارات التي تفضل التعامل وفقا للشريعة سواء المتواجدة في السوق المحلي او بالخارج اذا كان هذا هو ما توفره آلية الصكوك فهل يسمح وضعنا الاقتصادي بالمزيد من التأجيل في اصدار القانون الخاص بها؟ الاقتصاد أولا اساتذة الاقتصاد وخبراء العمل المصرفي يؤكدون ان الوضع الراهن للاقتصاد يستدعي الاسراع باصدار قانون الصكوك . د.هالة السعيد عميدة كلية الاقتصاد و العلوم السياسية بجامعة القاهرة وتقول نحن اليوم نسعي لايجاد فرص للتمويل في ظل حالة من عدم الاستقرار و بالتالي لابد ان نطرق كل الابواب.. نحن في وقت نحتاج لكل فرصة لتعميق السوق، واي اضافة ستكون مفيدة، ولو كنا في ظروف عادية لما اعتبرنا اصداره امرا ضروريا، لكننا في ظروف استثنائية ومع تراجع الاستثمار قد تكون الصكوك طريقنا لجذب نوعية جديدة من الاستثمارات، المهم ان تتم دراسة القانون بشكل جيد وأن يراعي كل المحاذير والتحفظات التي اثيرت حول المسودة الاولي منه ولا يستخدم لسد عجز الموازنة ويتفادي المخاوف التي اثيرت حول المشاريع ذات الطابع الاستراتيجي.. مثل هذه الامور لابد من مراعاتها في مناقشة القانون ليصدر بصورة صحيحة. د.محمد عبد الحليم عمر الخبير بمجمع الفقه الاسلامي الدولي، واستاذ المحاسبة بجامعة الازهر يؤكد اننا في امس الحاجة لاصدار هذا القانون لمواجهة الازمة المالية الحالية، ويقول اننا بحاجة لجذب استثمارات اجنبية لسد الفجوة بين المدخرات والتمويل المطلوب للاستثمار، ونظام الصكوك يمكن ان يساعد علي جذب اموال بعض المؤسسات المالية الخارجية، ولكن حتي يؤتي القانون ثماره لابد من استقرار الاوضاع فالمستثمر ينظر دائما الي درجة المخاطر وكلما كانت الأوضاع مضطربة كان ذلك أدعي لهروبه، ويضيف د. محمد عبد الحليم قائلا انه لا يوجد مبرر للخوف من آلية الصكوك فهي اقرب ما تكون للاسهم ولكنها اكثر امانا من الاسهم، والصكوك لها انواع وصور عديدة ويمكن أن نبدأ بالانواع المتعارف عليها والتي اثبتت نجاحها ولا تثير قلق ومخاوف الناس، الصيغ التي يخشي البعض من تطبيقها مثل صيغة البيع ثم الايجار لا داعي لتطبيقها، ويمكن ان نستعيض عنها بصيغ اخري فنحن الان نمول باساليب عديدة تعتمد علي الاستدانة هذا اسلوب مكمل سيوفر جزءا من الاموال المطلوبة ويدعمه ما صدر بشأنه من قرارات شرعية لعدد من الجهات الهامة مثل مجمع الفقه الاسلامي الدولي والمجلس الشرعي الدولي وهو يضم في عضويته فقهاء اجلاء مثل د.نصر فريد واصل ود. علي جمعة. الرأي ذاته يؤيده د. محمد البلتاجي رئيس جمعية التمويل الاسلامي ويقول اننا نحتاج قانون الصكوك بشدة الآن لتدبير تمويل لمشروعات التنمية خاصة اننا قد استوعبنا بالفعل قدرا كبيرا من أموال البنوك في أذون الخزانة ولابد من البحث عن موارد اخري، ويؤكد البلتاجي ان قانون الصكوك لن يحدث تغير حاد في سوق المال، فهو سيضيف أداة مالية جديدة للسوق ستجذب شرائح جديدة للتعامل فيه، جزء كبير منها من المصريين في الداخل والخارج، بالاضافة الي بعض المؤسسات المالية الدولية والبنوك التي ترغب في استثمار وفقا للشريعة.