مها عبدالفتاح نكاد نكون علي شفا الفوضي الشاملة! فما نعايشه الآن حالة تقترب من انهيار اجتماعي. عنف وليد اليأس. تماسك شعبي يكاد يهتريء. تطور سريع للأوضاع ينبيء بكوارث، ما لم يسارع من بيدهم الامر ويلموا الشمل. ويتفاهموا مع جبهة الانقاذ الوطني. فيستجيبوا لمطالب معارضة تضم أكثر من نصف هذا الشعب! لا مفر من مواجهة الامر الواقع. الدنيا تغيرت. ما عاد بمقدور جماعة ولا أحد ايا كان الانفراد بحكم شعب. الديموقراطية هي الحكم والمعارضة: جناحان علي الساحة، ما عاد من معارضة صورية لزوم الشكل العام .انتهي هذا العهد بالثورة! هذا العنف الذي لم تعرف له مصر مثيلا من قبل هو وليد اليأس. ليس غير اليأس ما يولد مثل هذا العنف! فلم يفرق الحكم الحالي في شيء عن نظام الحكم الذي سبق. لا في الشكل و لا المضمون. بينما الثورة أي ثورة، لزاما أن تقوم بتغيير اقتصادي يؤدي لتغيير اجتماعي حتي تكون ثورة! الفشل الاداري واضح. ما من مشكلة واحدة من المشاكل الاساسية التي أطلقت الهبة الشعبية الكبري منذ عامين وجدت طريقها الي الحل.. حتي المشاكل اليومية التي ما بحاجة الي حلها سوي لرؤية متفتحة وتتكامل بعقليات ادارية جيدة فقط لا غير لم تجد حلولا لها. ما من اصلاح ولا حتي بوادره تلوح للعين لتحيي الأمل في النفوس! ثم هذا ما يراه الآخرون ويسجله العالم الخارجي عن احوالنا حتي يكون ذلك مفهوما! الامر الواقع الذي لابد من مواجهته أن الحكومة غير منشغلة الا بحثا عن سبل الاقتراض، أو التفتيش في الدفاتر القديمة، كأنما لا يراد لنا الخروج من تلك الدائرة اللعينة، دائرة الانتقام.. أغلقناها علي أنفسنا وسرنا ندور فيها وندور، ليت فيما يساوي بل في الهيافة ونتصدر.. نحصل مليونين من هنا وثلاثة ملايين هناك.، أي هوان لبلاد دفعت ثمنا رهيبا لجمود أحوال البلاد واستغرق عقودا ثلاثة.. لم نتقدم بخطي العصر فتخلفنا، وحتي الآن لم نفق الا لنفكر أنفسنا بأنها كانت.. ثورة! موقفنا المالي - الاقتصادي أسوأ باكثر مما يبدو عليه. مواردنا من العملات الاجنبية اقتربت تماما من حافة الهاوية، والحكومة علي ما يبدو ليس لديها خطة اقتصادية غير تحصيل قروض؟! أشد ما نحتاج اليه حاليا هي السيولة المالية بالعملات الاجنبية. فاتورة المشتروات الخارجية من فئة السلع الاساسية، الغذاء والوقود، أسعارها العالمية منذ عام 2006 زادت ثلاثة أضعاف! الاحتياطي من النقد الاجنبي هبط لمستوي الحد الادني الذي يعرف لدي البنوك بأنه علامة الخطر... وفق بنك اسكتلندا الملكي، بلغت أموال الاستثمارات التي خرجت من مصر في شهر ديسمبر الماضي وحده بلغت اكثر من 4 مليارات دولار! لمجرد استيراد الاحتياجات الاساسية، نحتاج لاكثر من 20 مليار دولار .. من أين؟ والسياحة مضروبة في مقتل، ولم يبق غير دخل قنال السويس وتحويلات العاملين بالخارج . نخشي من يوم غير بعيد قد لا نجد فيه ما يكفي استيراد ضروريات الغذاء! قطر قدمت قرضا للحكومة المصرية بما يوازي 2،5 مليار دولار، معظمه لحماية الجنيه المصري لدي البورصات الاجنبية.. مع ذلك يقدرون نسبة فقدان الجنيه المصري في الشهر الفائت فقط بنحو 01٪ من قدرته الشرائية . هذا ما سوف ينعكس في ارتفاع أسعار المتطلبات الاساسية خلال الاسابيع القليلة القادمة! كل هذه معلومات متداولة في الدوائر العالمية أي ليست بأسرار! و للمفارقة، تبدو الامور وكأن مصر سيكون عليها ان تسدد قرض قطر بشراء غازها الطبيعي بأعلي سعر! صدق أو لا تصدق : مجلة المصري - اندبندنت الصادرة بالانجليزية ( 17 ديسمبر) جاءت فيها المفارقة الآتية: مصر تصدر الغاز الطبيعي الي الاردن بسعر 5،5 دولار للمليون وحدة، وقطر تصدر غازها الطبيعي لمصر بسعر 9 دولارات!! التفاوض مع صندوق النقد الدولي استغرق معظم العام الماضي، بهدف التوصل الي قرض ارتفعنا به من 3 مليار الي 4،8 مليار دولار.. والهدف بالطبع لا يتوقف عند الحصول فقط علي هذه القيمة المحدودة ، بل ليفتح الباب أمام المزيد من القروض! الصندوق يقول لا شروط له، بينما يطالب الحكومة أن تتعهد بتخفيض عجز الميزانية من 15 ٪ الي 5،8 ٪ .. يعني واقعيا أن تخفض الانفاق الحكومي بنسبة 6 ٪ من مجمل الدخل القومي خلال شهور معدودة ! هذا ما يؤدي بالضرورة الي تخفيض الدعم علي الطاقة والغذاء، وبدوره سيؤدي لمصاعب تفوق قدرة الاحتمال لدي السواد الاعظم من هذا الشعب الذي يعاني أصلا من صعوبات المعيشة. بل ملايين من هذا الشعب علي الكفاف ! عيش الكفاف بالمعيار العالمي نحو 2 دولار في اليوم، معناه دخل في حدود ما بين عشرة وخمسة عشر جنيها في اليوم، وهي نسبة تضم لدينا نحو نصف جموع شعبنا هذا التعس! العالم بدأ يضغط . عندما جاء رئيس الاتحاد ا لاوروبي ( هيرمان فان رومبوي ) في زيارة مصر الاسبوع الماضي تعهد بقرض ومنح لاستثمارات تبلغ في مجموعها 6،7 مليار دولار ، انما اشترط فقط الاتفاق مع الصندوق .. الاتحاد الاوروبي عبر عن موقف المجتمع الدولي مما يجري في مصر، بهذا البيان الصادر عن وزراء الخارجية الاوروبيين في 22 يناير الماضي .. ثم صعد أكثر بالبيان الاخير أول أمس (الخميس): لا مساعدات لمصر قبل اتخاذ طريق حكم ديموقراطي واحترام حقوق الانسان.! أنجيلا ميركل المستشارة الالمانية تراجعت عن تلويح سابق باحتمال اعفاء مصر من بعض الدين عليها و يبلغ 240 مليون يورو.. رفضت ذلك خلال زيارة الرئيس محمد مرسي. أعلنت عن نصحها الرئيس التعامل بتفاهم مع المعارضة في مصر . فارق واي فارق عما سبق . أما تصريح جون كيري وزير الخارجية الامريكي الجديد عن المضي في تقديم المساعدات الامريكية، لا يدل علي كثير فهم ولأسباب امريكية تخصهم لا تقل لديهم عن دواعيها لدينا. الامريكيون لن يتخلوا عن تقديم المساعدات لمصر لأساب عديدة سبق وتكرر نشر اسبابها. نختم هذه السطور بالتاكيد بكل اخلاص أن ما من وسيلة لعبور المرحلة الحالية بدون تكاتف الشعب كله معا، بدون تصنيف ولا فواصل ولا اقصاءات الا في حدود القانون.. !