كانت الولاياتالمتحدة تتعامل بحذر مع الرئيس محمد مرسي بعد توليه السلطة وكان المفهوم السائد هو أن تكون السياسة الأمريكية تجاه مصر سياسة رد فعل أي لا يجب ان يكون هناك اندفاع لاحتضان هذه الحكومة الجديدة وربما كان هذا هو السبب الذي دعا الرئيس أوباما لوصف مصر بأنها ليست دولة حليفة او دولة معادية للولايات المتحدة.. إلا أن الموقف الأمريكي تغير تماما بعد قيام الرئيس مرسي بدور محوري في وقف اطلاق النار في غزة وسرعان ما رحبت واشنطن بدور الرئيس محمد مرسي وهللت لقيامه باحتواء الازمة، وفي اطار الإشادة بدوره صرح البيت الأبيض بأن الرئيس مرسي »شخص يركز علي حل المشاكل«. وعاود المسئولون الأمريكيون الحديث عن اهمية الدور الاستراتيجي لمصر وعن رغبة جادة في دعم الشراكة بين البلدين إلا أن شهر العسل انتهي قبل موعده بعد ان فوجئت الإدارة أولا بقيام الرئيس باصدار بيان دستوري لتحصين سلطاته وقراراته ثم التعجيل بطرح دستور جديد للاستفتاء مما أدي إلي تفجر الموقف واندلاع مظاهرات رافضة لقرارات الرئيس ومظاهرات مؤيدة. وبعد ان كان الخبر الاول عن ثقل مصر ودورها المحوري في استقرار المنطقة تحول ذلك ليصبح الحديث عن مخاوف الاستقطاب والفوضي والعودة إلي سياسة القمع في مصر.. وأمام ما يجري في مصر اصبحت واشنطون اكثر حذرا في تصريحاتها، وعلي الرغم من قيام الخارجية الأمريكية باصدار بيانين الاول بعد ان اصدر الرئيس مرسي قراره بالسيطرة علي مقاليد السلطة والثاني بعد الموافقة المتسرعة علي مسودة الدستور والاعلان عن الاستفتاء فقد خلا البيانان من أي نقد ورددا تصريح الحكومة المصرية بأن المعارضة يجب ان تتم عبر الصندوق الانتخابي.. واكتفي البيت الأبيض بالاشارة عرضا عن حق المعارضين في التظاهر السلمي. وقد رأي البعض أن موقف ادارة أوباما السلبي من اسلوب الممارسة الديمقراطية في مصر انما يرجع إلي رغبة الإدارة الامريكية في السيطرة علي السياسة الخارجية لمصر. وفي هذا الاسبوع وعندما قام وفد مصري رفيع المستوي برئاسة عصام الحداد مستشار الرئيس للشئون الخارجية بزيارة واشنطون والاجتماع بقيادات أمريكية في مقدمتها توم دونيلون مستشار الرئيس أوباما لشئون الامن القومي كانت الاجتماعات بهدف توضيح الموقف المصري. وذكر مصدر أمريكي مطلع ان الوفد المصري قد حرص علي تأكيد رغبة الرئيس مرسي في شراكة استراتيجية مستمرة مع الولاياتالمتحدة وان هذه الشراكة تقوم علي القيم المشتركة وأن هذه الشراكة ستنعكس علي تطوير الامل في المنطقة. وأشار نفس المصدر إلي أن الجانب المصري أوضح أن قرارات الرئيس مرسي تهدف إلي انتقال مصر بشكل اسرع إلي نظام ديمقراطي بدلا من ترك الامور لتصرف المحكمة الدستورية العليا التي كانت تريد العودة بالأمور إلي الوراء وتعطيل اصدار دستور جديد يعطي للشعب حقوقه التي حرم منها علي مدار أكثر من خمسة عقود. ومن جهة أخري اشار نفس المصدر إلي أن مستشار الرئيس الامريكي قد أوضح في حديثه مع الجانب المصري الشروط أو الأسس التي تري واشنطون ضرورة مراعاتها لقيام شراكة فاعلة مع مصر وتتلخص في ضرورة ضمان حرية المرأة وكفالة حرية العقيدة واحترام قواعد الديمقراطية وحرية التعبير إلي جانب الحفاظ علي السلام مع إسرائيل وهي نفس الاسس التي طرحها وليم بيرنز وكيل الخارجية الامريكية اثناء زيارته الاخيرة لمصر وعند قيامه بتسليم الرئيس مرسي رسالة من الرئيس أوباما. وعلي ضوء ما جري حثت واشنطون بوست ادارة الرئيس أوباما علي ربط التحالف الاستراتيجي مع مصر بعمليات الاصلاح الديمقراطية وحذرت الادارة الامريكية من العودة إلي سياسة تجاهل القمع داخل مصر والموجه نحو الحركات الليبرالية العلمانية. وأشارت إلي أن تأجيل زيارة الرئيس مرسي لواشنطون إلي ما بعد اجراءات تنصيب الرئيس الامريكي في بداية شهر فبراير القادم ستكون فرصة لاختبار مدي استعداد حكومة مصر للوصول إلي حل وسط مع المعارضة. وإذا كان هناك حرص علي تفادي استخدام اموال المعونة الأمريكية لمصر كورقة ضغط علي الحكومة المصرية بأن هذا لا ينفي انها ستكون واردة عند مناقشة الامر في الكونجرس. وأما عن المعونة العسكرية لمصر فإن الفكر الغالب هو استمرارها ولكن مع اعادة تنظيم وتوجيه وتخفيض هذه المعونة بحيث يتم تركيزها علي اداء مهام محددة مثل مكافحة الارهاب وحماية الحدود بدلا من شراء اسلحة متطورة باهظة الثمن. ومن جهة اخري قام روبرت ستالوف مدير معهد واشنطون لسياسة الشرق الادني بالاشتراك مع اريل تراغر الباحث بالمعهد باعداد تحليل للازمة الدستورية في مصر أكدا فيها ان مسودة الدستور التي ستطرح للاستفتاء يوم 51 ديسمبر الجاري وثيقة توضح الصفقة التي تمت بين جماعة الاخوان المسلمين والقوات المسلحة حيث منحت كبار الضباط في القوات المسلحة حكما ذاتيا نسبيا مقابل الاستجابة لطموحات الاخوان السياسية. وفي الوقت الذي يري فيه ستالوف ان الدستور يعطي للجيش حماية لم يسبق لها مثيل كجزء من صفقة واضحة لضمان اقراره حذر جاكسون ديل الكاتب بجريدة الواشنطون بوست من اغداق واشنطون اهتمامها علي من يتولي السلطة في مصر حاليا الاخوان بالاشتراك مع الجيش لان كليهما ليس شريكا يمكن الوثوق به علي المدي الطويل ودعا الي الاهتمام بالشعب والطبقة المتوسطة التي يري أنها الامل.