(من يهنْ يسهُل الهوانُ عليه ما لجرحٍ بميتٍ إيلامُ) تلك جراح القلب لم تمت ولن تموت.. ولن تضيع في الدم الشتيت طفولة تناثرت علي الحصي أناملاً.. وأرجلاً.. وأعينا ونطفاً طاهرةً مُبّرأة ومزقاً مجهولةً للجلد والعظام وضحكةً نقيةً خضراء لم تكتملْ فوق الشفاه وصرخةً ضائعة بين ضجيج الموت - يا من تجيء تدَّعي أنك تعرف الغيوب والأسرار يا من ملكت السحر والتعزيم والبخور والرقي.. بأي رقية تُري تعبد تلك النطف المبعثرة حتي رقي إيزيس في زماننا القديم تعجز أن تلُم الروح والجسد.. تلك بقايا من دفاتر الصغار تضيء فوقها الرسوم بالبهجة والجمال وهذه حقيبة زرقاء تحمل خبز اليوم والحلوي.. وتحمل الأقلام وصفحةً من سورة الأنعام ومزقةً أخري من الأذكار في الصباح والمساء وألف حلم قادم.. بأن يكون الطفل عالماً في منبر الإيمان يلبس الجبة والعمامة البيضاء.. - تلك الجراح لن تموت لأنها جراحنا.. لأنها تُدمي جفون الوطن المقهور في قلوبنا لأنها استخارة الأم التي في الصبح ودّعت صغيرها لكي يعود في المساء.. ممتطيا جواده بالسبق والفلاح يا يا لها الجراح.. تشعل في الليل قناديل صدورنا تداعب الدمي التي تنتظر الصغار في المساء تجعلها تنطق أفصح ما يقوله اللسان.. تلك الجراح من جراحنا لأنها صراخ أمهاتنا الثكالي لأنها نواح كل مقعدٍ في غرفة الدرس وكل خطوة علي المدارج لأنها تعيد ذكري الحلم حين غاب في الكهوف لأنها تشق في الصبح صدورنا لتخُرج الآهات جمراً دامياً فوق الرءوس لانها تنذر كل الطامعين في العروش بالنهاية المرتقبة لأنها الحناجر التي بُحّت بكل ميدانٍ وأنبتت شموخ النخل والصبارَ والورود ورسمت بدم الشهيد فوق كل سورٍ شعلةً لا تنطفئ لأنها.. طفولة الوطن لم تثمر الأمس سوي الأوجاع والشغف لأنها تُسقط كل جائر في المنعطف وكل من لوّح يوماً بالعناد والصلف لأنها الجراح.. تصرخ في وجوه من يزيفون من يراوغون.. من يداهنون.. يكذبون وتُطلق النشيد صاخباً يدق بالصراخ والغضب تُقسم.. لن تعود ساعة الحلم إلي الوراء .. لن تعود.. ولن نهون.. لن نظل هكذا نحار في ظلام المنتصف.. هي الطفولة التي تأججت أحلامها الصغيرة تناثرت أشلاؤها فوق رداء الوطن المهزوم فمن تري يمدّ جسر اللهب المحموم يسقط كل طامع .. وفاسد.. وكاذب.. وآثم لئيم من يا تري يملك أن يرسُم وجه الوطن الجديد كي يستريح في برزخه الشهيد ونستعيد ما ضاع من العهود من يا تري..؟ من يهن يسهل الهوان عليه مالجرح بميتٍ إيلامُ..