كتبت الأسبوع الماضي مقالا بعنوان: "شفافية الرئيس مرسي وحده.. لا تكفي"، ودعوت الرئيس لإصدار تعليماته وتفعيل إرادته السياسية كأول رئيس منتخب عبر الصناديق، لإرساء مبدأ الشفافية كمنهج في إدارة شئون البلاد، تخليصا لها من سوءات النظام البائد، وهو ما يتطلب وضع المعايير الحاكمة لتحقيق ذلك، بعيدا عن العشوائية الإدارية المضللة، بإثارة المزيد من الأزمات التي مازلنا نعاني منها في كافة مؤسسات الدولة! تلك العشوائية الإدارية تؤكد يوما بعد الآخر أن ثورة الشعب في 25 يناير، منذ ان انطلقت مطالبة بعيش وحرية وديموقراطية وكرامة إنسانية وعدالة اجتماعية، أصبحت مهددة بغياب الشمس عنها، والتي ضحي شباب هذه الأمة بأرواحهم من أجل بزوغ ضيائها، ومازالت حقوق شهدائها تائهة أدراج ضياع الأدلة، ليظل الفاعل مجهولا!.. ويظل المواطن المصري هائما علي وجهه في شوارع المحروسة بين مليونيات تدعو لها التيارات السياسية علي اختلاف توجهاتها، ووقفات احتجاجية تتباين بين فئوية تبحث عن العدالة الاجتماعية من أجل حقها في العيش والكرامة الإنسانية، وأخري تسعي لرفع الظلم الذي مازال متسلطا علي رقابها مدعوما بفساد ومفسدي النظام السابق رغم استبدال الوجوه والشخوص، ليظل الظلم هو المنهج المهيمن علي مقدرات المواطنين، مما يجعل استشعار الشارع المصري وقناعته تتزايد بأن تحقيق أهداف ثورته مازال متعثرا، هذا ما يؤكد أن ثورة الشعب- بفعل فاعل- مازالت رهن صراع يغلفه نظرية المؤامرة، في الوقت الذي تكشف فيه الحقائق بمرور الأيام، وتوالي الأحداث لتؤكد أن الخطر الداهم يكمن في استمرار العشوائية الإدارية في كل المجالات، والتي معها لن يكون لنا سبيل نحو بناء مصر جديدة، ويكون الحديث عن مشروع النهضة هراء، وباستمرار هذا العبث الإداري وغياب الضوابط الممنهجة لمعايير ثابتة بعيدا عن الاجتهاد، سنجد مصرنا ومقدراتنا قد سرقت، وعاد النظام الذي خرجت الثورة لخلعه، ولكنها لم تتمكن بعد إلا من الاطاحة ببعض رؤوسه، دون اقتلاع جذوره العميقة التي عاد الكثير منها إلي كراسي الإدارة بنفس تجاوزات ومفاسد النظام السابق، ليظل الشارع المصري في همه، مما يجعلنا نقول: علي ثورتنا وشهدائنا ومستقبلنا السلام. نتاجا لكل ذلك، وانطلاقا من شفافية الرئيس التي يستشعرها المواطنون ويثقون في صدقها، ينتظر المصريون، علي اختلاف انتماءاتهم، من رئيس كل المصريين التعجيل بإعادة تقييم المستشارين والمساعدين وكافة القيادات الحاكمة من حيث الأداء والفاعلية، وتحديد أكثر للمسئوليات المنوط بهم تحقيقها، حتي لا يظل الفاعل مجهولا لما يبدو من سلبيات، ولا تطول المرحلة الانتقالية أكثر، ولا تزيد القرارات المترددة - ودعونا لا نصفها بالخاطئة - التي يتحمل تبعاتها بشجاعة الرئيس، والتي قد تمس شعبيته التي تحققت له في المائة يوم الأولي من ولايته. إن أردنا صدقا خالصا لتوصيف ما نحن به الآن، فإنه يمكننا التأكيد علي أن أسلوب النظام الحالي يتباين أداؤه بين أناس تنقصهم خبرة علم الإدارة وحكمة السياسة، يعتمدون علي مستشارين من أهل الثقة، وتحكمهم أهواؤهم وحساباتهم الشخصية - وهو ما ينذر بسوء المآل.. وآخرين مخلصين - نواياهم الحسنة وحدها لا تكفي - وهؤلاء يتقدمهم الرئيس مرسي، وهو ما يخلص بنا إلي أن هناك انفصاما بينا بين فصيلين ثانيهما يملك الإرادة السياسية، وهو الذي اختار ومكن الفصيل الأول من السلطة، وهذا يحتاج تحركا سريعا من الرئيس ليفعل مسئولياته نحو حماية مقدرات شعبه، وهو ما يحتاج إلي مراجعة متأنية وتقييم للمائة يوم الماضية، من منطلق حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وليكون تأكيدا للشفافية، ودرءا وكشفا للفاعلين المجهولين، الذين نظن أنهم قليلون ولكن الوقائع تؤكد أنهم كثر، وعملا بالقول المأثور: "اللَّهُمَّ قِني شَرَّ أصْدقائي، أمَا أعْدَائي فأنا كَفيلٌ بِهم"، فإنه لزاما علينا إعادة الحسابات بهدف تصحيح الأخطاء وتداركها قبل تفاقمها. وإذا كان الفاعل مازال مجهولا في كثير مما نعيشه، فإن الأضواء الكاشفة التي يملكها ضمير الأمة متمثلا في صحافتها وصحفييها يحتاج من الرئيس وقفة لتباحث أحوالهم الإنسانية والمهنية، خاصة أنهم يمثلون مهنة البحث عن المتاعب مما لها وما فيها من شقاء، فلا يمكن لأحد سلب كرامة الصحفيين، لأنهم يمثلون تاج حرية الشعوب، ولا يمكن إغفال حق الصحفيين والعاملين بمهنة الصحافة في تحقيق العدالة الاجتماعية في الدخول والأجور دون قصر زبد خيرها علي فئة قليلة دون الباقين.. وبئس ما فعل نقيب الصحفيين ومن معه بشأن أزمة الكاتب الصحفي جمال عبد الرحيم رئيس تحرير الجمهورية، وإننا »الصحفيين« في انتظار مبرراتهم بشفافية.. وتحيا مصر.