أحزني بشدة ما أسفرت عنه مظاهرات الجمعة الماضية من اصابات تجاوزت المائة, ويستدعي الأمر وقفة جادة مع النفس, وإعادة ترتيب للأوراق, لأن مثل هذه المظاهرات لم تخرج ضد الرئيس المخلوع إلا بعد ثلاثين عاما من حكمه, ومثلها اسقطت عمليا حكم العسكر, بعد أن ظل موعد انتهاء الفترة الانتقالية سرا حربيا وسط تصريحات رسمية تفيد بأنه سيكون في2013 دون تحديد قاطع. وبداية نقول بوضوح إن المشهد مختلف هذه المرة لأن المظاهرات الحاشدة تخرج ضد رئيس منتخب, ولأن إنجاح التجربة الديمقراطية فرض عين علي كل أطرف اللعبة السياسية لأن البديل سيكون مقيتا ومخيفا, كما نقول بوضوح أكثر أن شيطنة المشاركين في المظاهرات والاحتكاك بهم مرفوض لأنهم حددوا منذ نحو أسبوعين هذه الجمعة موعدا للتظاهر احتجاجا علي تبخر غالبية( وعود) المائة يوم, والتعامل معها علي أنها مجرد( أهداف), ومحاولة تسويق أرقام تفيد بأن الخطة نجحت والوعود تحققت بنسبة كبيرة بدلا من الإقرار بفشل الحكومة والفريق الرئاسي في تحقيق الوعود وتبرير ذلك بشفافية والاعتذار عنه. في مظاهرات الجمعة أصيب من بين من أصيبوا صديقي الناشط في مجال التوعية م. عماد سالم, حيث أصيب- دون جريرة- بشج في رأسه استدعي عمل9 غرز من جراء حجر ألقي عليه من معسكر أنصار جماعة بدأت اليوم بتحطيم منصة المناوئين لها, رغم أنه كان بصحبة عدد منهم في نفس سنه- في الصفوف الأمامية في ثورة يناير, وتقاسما الخطر معا لإسقاط نظام مبارك, ثم تشاركا لفترة في العمل علي التوعية. بكل صراحة حشد أنصار الجماعة بعد أيام قليلة من حشدهم في استاد القاهرة وشحنهم ضد المتظاهرين المحتجين علي برنامج المائة يوم وتشكيل التأسيسية, كان خطوة غير موفقة علي الإطلاق كان الهدف منها تقليل أعداد المتحجين وإفساد اليوم, وانتهت بسحب المتظاهرين الاخوان من الميدان علي مرحلتين. إن الدماء الزكية التي سالت أهدرت سدي, والمسئول الأول عنها عنها هو من اتبع سياسة الإقصاء والتهميش, وأصر علي تجاهل حقوق نحو49% ممن لم يصوتوا لصالح الرئيس,وكاتب هذه السطور يدافع عنهم رغم أنه ليس من بينهم. المسئول لم يتفهم أنه في غضون المائة يوم مماثلة لم تكتف ثورة يوليو بالإنجاز الذي حققته بخلع الملك, وسرعان ما حققت لرجل الشارع انجازات ملموسة يستشعرها كل لحظة علي رأسها الإصلاح الزراعي بكل ما يحمله من رسائل تعبر عن الانحياز للفقراء وعن جوهر الأولويات لدي قادة يوليو مما حول الانقلاب لثورة التف حولها الشعب بقوة متغاضيا عن بعض أخطاء التجربة. المطلوب اليوم وليس غدا الكف عن التعالي إزاء المعارضين, فحالة الحوار التي سادت قبيل الانتخابات وبعدها مباشرة تجمدت في وقت حرج, ناهيك عن أن التجربة العملية أثبتت أن كثيرا من الاختيارات داخل الحكومة والفريق الرئاسي لم تكن علي المستوي المطلوب, وأن التخطيط لمصر الجديدة يجب أن يكون مسئولية جماعية بإفساح المجال لمراقبة الأداء, فغياب المشاركة المجتمعية في الرقابة علي برنامج المائة يوم كانت من أضعف النقاط التي أدت للحنق عليه. وفي جميع الأحوال نطالب هنا بتكوين هيئات مستقلة لدراسة الوعود الانتخابية بحيادية. مطلوب تضافر الجهود للتصدي لقوي تتعمد أن توصل لرجل الشارع رسالة واضحة مفادها أن من يضحي بحياته أو بذل دمه من أجل إنجاح ثورة مهما كانت أهدافها نبيلة لن يحصل علي حقه, ولن يقتص له, مطلوب مصارحة حول أسباب تصدي الحكومة لقرارات علي غرار إغلاق المحال التجارية التي تعاني من الكساد وتعمل بشكل قانوني وتدفع الضرائب في العاشرة مساء, مع استمرار تجاهل احتلال الباعة الجائلين للأرصفة, بل ونهر الطريق في أهم شوارع العاصمة( من النماذج علي ذلك شارع طلعت حرب ومنطقة وسط البلد بشكل عام), واستمرار المواقف العشوائية في قلب أهم ميادين للميكروباص في أهم الميادين رغم وجود رجال الشرطة ووجود مواقف رسمية منظمة علي بعد امتار( ميدان العباسية خير نموذج), واستمرار أزمات السولار واسطوانات الغاز, وعدم تحقيق الوعود المتعلقة برغيف العيش. الأمر يحتاج كذلك مراجعة في التعامل مع ملفات طوائف المجتمع المهمشة وعلي رأسها أبناء النوبة وسيناء, فالتعامل لايزال يتم بالطرق التقليدية المستفزة. لا نتحدث من برج عاجي فقد زرنا كنشطاء للمجتمع المدني المحافظات ولا نزال نبغي الحوار مع كل طوائف المجتمع ونرصد مشاكله ونسعي للتحاور حول سبل حلها وشاركنا في اجتماع علي سبيل المثال مع مدير الإدارة العامة للمرور لعرض المشاكل وتقديم المقترحات, ونتواصل مع كل القوي السياسية والحركات الثورية باستمرار لاستكمال المشهد, ولا نتصيد الأخطاء حيث شاركنا في جلسات استماع لتأسيسية الدستور, رغم رفضنا لتشكيلها السابق والحالي وتطلعنا لتحقيق الرئيس وعده بإعادة تشكيلها, وقدمنا مقترحات مكتوبة بخصوص البنود المتعلقة بالنقابات, وحرية الإعلام, والمصريين بالخارج, وتحفظوا علي استخدام مفردات في غير محلها. كما بلورنا أفكارا محددة حول توظيف الجمعيات الأهلية في مراقبة كميات الوقود الداخلة والخارجة من المحطات..وهي من وعود المائة يوم أيضا. وبكل الصدق نقول في النهاية إن الموضوعية, والحوار, وانكار الذات, سبل ممهدة أمامنا حتي نتجنب مزيدا من التشنج والاحتقان وصولا لمستقبل واعد تستحقه مصر. كلية الآداب جامعة الاسكندرية المزيد من مقالات د. أحمد فؤاد أنور