في القرن التاسع عشر وما قبله كانت كما نري في هذه اللوحة الجميلة يقام بعض من صلوات التراويح قبل الفجر فوق أسطح المنازل وهذا ما سجلته فرشاة الفنان الفرنسي المستشرق جان ليون جيروم 1824-1904 في نهاية القرن التاسع عشر.. وجيروم فنان شهير بمشاهد لوحاته الشرقية.. وأكثر ما جذب جيروم إلي مصر ذلك الجانب الروحاني وعشق المصريين في التزامهم بالصلاة في المساجد كما جذبه مشاهد المؤذنين وحلقات الذكر والدراويش.. رسم جيروم هذه اللوحة بعنوان " الصلاة فوق السطح " عام 1865 التي تبدو أنها لصلاة فجرية قبل الشروق لمصلين نراهم في المقدمة ونري غيرهم فرادي فوق أسطح منازل أخري مجاورة فالهلال الضعيف والضوء يشيران إلي أنه ضوء فجري وأنهم يصلون ركعتي ما بين الأذان والإقامة.. فنري منهم من هو قائم أو ساجد أو مكبر لصلاته ليتناسب الموضوع مع امتداد عمق اللوحة الروحاني وقد أخذ الضباب يلف المآذن لتقل الرؤية تدريجياً حتي يصل إلي مآذن القلعة كما في عمق المشهد.. وربما هذه صلاة مغرب قبل تناول وجبة الافطار الرمضاني مباشرة ومع الغروب أخذت تقل الرؤية في العمق.. شخوص اللوحة أراهم يمثلون أعماراً مختلفة انحصرت في أعمار ما بين الصبي في الخلفية والآخر الساجد إلي أسفل يمين اللوحة وعجوز منحن في نهاية الصف الأول بعد الإمام الذي اتخذ وضع الدعاء قبل السجود في جمالية ربطت بينه وبين المئذنة الطولية أمامه.. الجميل في اللوحة أن هذه الصلاة التي تقام فوق أحد أسطح المنازل يتجاوب معها عادة سكان المنازل المجاورة فصعدوا إلي أسطح منازلهم الملاصقة للصلاة معاً وأخذوا يصلون الركعتين أو يستعدون متخذين إمام المقدمة إماما لهم.. وهنا الساحة ليست ساحة مستوية بل متفاوتة قليلا من سطح لآخر ويبدو إنها لبيوت لا يتعدي ارتفاعها الطابقين أو الثلاثة طوابق وهو ما أخفي خلفها كتلة المسجد الأساسية ولم تظهر إلا المآذن والقباب.. اللوحة الرائعة نراها حبيسة ذلك التناظر أو الاحتواء للأجساد الطولية بين أطوال المآذن المرتفعة تجاه السماء.. كرمزية بين الماديات «الأجساد» والروحانيات «المآذن».. وبين خطوط المآذن الرأسية وخطوط أسطح المنازل الأفقية.. وليبدو هذا الخط الأفقي في جمالية رائعة كأنه بمجموع تلك الأسطح المفروشة بالسجاد تبدو معاً كبساط ريح يسبح في الهواء بالروحانية حاملاً أجساداً بشرية ملبية لنداء الله في خشوع وخضوع محببين إلي النفس المؤمنة وإلي من يشاهدها..