الرسام الفرنسي جان ليون جيروم، في تخليد الأذان في لوحات ذات شهرة عالمية، كتب لها الخلود منذ أن ظهرت في القرن التاسع عشر الميلادي، فالرجل الذي عبر أمواج المتوسط اكتشف عوالم ألف ليلة وليلة في قلب القاهرة، أخذ بلباب عقله مشهد صعود المؤذن إلي مآذن القاهرة الشاهقة ليؤذن في الناس بصوت يحرك الصخر، وبعذوبة تلين الحجر،فانطلقت ريشته تخلد هذه الظاهرة التي جعلت لوحاته الأشهر في التعبير عن مصر وروحها الإسلامية. كان جيروم علي رأس مجموعة من الأوروبيين الذين لخصوا فكرة الهوس بالشرق، والتي بدأت في أعقاب الغزو الفرنسي لمصر 1798، وما أعقبه من صدور موسوعة "وصف مصر" الذي أطلق الهوس بآثار مصر والشرق عموما، فبدأت أفواج الفنانين تهب علي شواطئ مصر، وتم تسجيل الكثير من اللوحات الخاصة بآثار مصر وعادات أهلها وتقاليدهم، وكانت هذه اللوحات بألوانها الجذابة السبب الرئيس في ظهور الكاميرا فيما بعد. ولد جان ليون جيروم في مدينة فيسول 11 مايو عام 1824م، وارتحل إلي باريس العام 1840، حيث تتلمذ علي يد الفنان بول ديلاروتشي، وبدأ يتقن فنون الرسم، واهتم ببلاد الشرق وتخليد آثارها، لذلك سافر إلي تركيا، لكنه سرعان ما حول وجهته صوب القاهرة التي وصلها العام 1854، فوقع في غرام مدينة ألف ليلة وليلة فورا وبدأت يده تسجل الكثير من الأحداث اليومية بعين العاشق. لم تكن الزيارة الأولي لمصر كافية لجيروم لكي يسجل كل ما يريد، لذلك عاد إلي مصر في زيارة طويلة بدأت العام 1868، وخلالها وضع أهم اللوحات التي خلدت ذكره، ومن أهمها لوحة "المؤذن"، ولوحة "نابليون يطل علي أبو الهول"، والتقي بالخديو إسماعيل الذي أعجب بلوحات جيروم فدعاه للمشاركة في احتفاليات افتتاح قنال السويس، فيما أهدي جيروم كتالوجاً بلوحاته المختلفة إلي الخديو، وظل جيروم يخلد القاهرة في لوحاته حتي وفاته يناير 1904. أما أشهر لوحات جيروم فكانت الخاصة بظاهرة الأذان، فالرجل أعجب بالمؤذنين فوق مآذن جوامع القاهرة الشاهقة، وفي هذه اللوحة نري جيروم يصور المؤذن بلباس المصريين في القرن التاسع عشر، والمؤذن أعلي المئذنة ينظر إلي السماء في خشوع، كأنه في حالة وجد، يعانق السماء بصوته، تكاد من فرط عذوبة اللوحة تسمع الأذان، خاصة أن جيروم رسم في الجزء الخلفي من الصورة لمحة بانورامية لجزء من القاهرة المعزية حيث المآذن تعانق السماء في مشهد أسطوري ينقلنا فورًا لأجواء ألف ليلة وليلة.