لماذا يكرهوننا؟! سؤال ردده الأمريكيون بعد هجمات سبتمبر 1002 في واشنطن ونيويورك والتي أسفرت عن مصرع ثلاثة آلاف شخص علي الأقل.. وطوال السنوات الماضية، حاول الأمريكيون الاجابة عن هذا السؤال ولكن بطريقتهم الخاصة التي رفضت الاعتراف بالخطأ في التعامل مع العرب والمسلمين وشعوب العالم الثالث بوجه عام. غطرسة الأمريكيين منعتهم من مواجهة الحقيقة وهي ببساطة أن سياساتهم الاستغلالية وانحيازهم الأعمي للصهيونية وإسرائيل ومساندتهم لأنظمة القمع والاستبداد هي التي وضعتهم دائما في المعسكر المعادي للشعوب المقهورة. هكذا، كان من الطبيعي أن يتكرر نفس السؤال، بعد 11 عاما من هجمات سبتمبر، ولكن بصيغة جديدة هي لماذا ما زالوا يكرهوننا؟! وكانت المناسبة هذه المرة هي ردود الفعل الغاضبة علي الفيلم المسيء للرسول عليه الصلاة والسلام. كانت الحيرة واضحة علي ملامح وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون وهي تتحدث عن "غوغائية" المحتجين العرب والمسلمين ضد أمريكا بسبب الفيلم الحقير المسيء للاسلام وقالت إنها لا تفهم كيف يكون جزاء أمريكا هو قتل سفيرها في ليبيا وثلاثة من الامريكيين في قنصلية بني غازي ومهاجمة بعثاتها الدبلوماسية في 21 دولة علي الاقل وهي التي ساندت ثورات الربيع العربي ووقفت بجانب الشعوب ضد حكامها الطغاة! الحقيقة التي تجاهلتها كلينتون أن بلادها لم تساند الثورات العربية إلا بعد أن تأكدت أن حلفاءها من الحكام المستبدين قد سقطوا بالفعل ولم يعد أمام واشنطن سوي محاولة ركوب الموجة بدليل أنها ظلت تدعم الدكتاتور المخلوع مبارك، مثلا ، حتي اللحظات الأخيرة التي تأكدت خلالها أنه أصبح مجرد جواد خاسر ورهان فاشل. وفي الكلمة التي ألقتها كلينتون لتأبين كريس ستيفنز السفير الامريكي في ليبيا وثلاثة من الأمريكيين قالت أنهم قضوا حياتهم يساعدون الشعوب علي التحرر من الاستبداد بدليل أنهم جميعا عملوا من قبل في أفغانستان وباكستان والعراق وغيرها من الدول العربية والإسلامية. والسيدة كلينتون هي أول من يدرك أن هؤلاء الدبلوماسيين الأمريكيين قضوا حياتهم كلها في خدمة مصالح بلادهم بل وأطماعها التي كانت في معظمها تعارض وتتناقض مع مصالح هذه الشعوب. فما فعله الأمريكيون، وما زالوا يفعلونه، في أفغانستان والعراق وفلسطين واليمن هو مسلسل مستمر من الجرائم والمؤامرات والانتهاكات المروعة التي تدفع ثمنها الشعوب والدول التي تستهدفها المصالح الأمريكية. إن قتل المدنيين العرب والمسلمين وفظائع الأمريكيين في أبو غريب وجوانتانامو ودعم الاحتلال الاسرائيلي ونهب ثروات الشعوب كلها جرائم واضحة تفسر هذه الكراهية التي اجتاحت أكثر من مليار مسلم ليس فقط احتجاجا علي الفيلم البذيء ولكن تعبيرا عن مشاعر المرارة والغضب ضد سجل أمريكي أسود خلال عشرات السنين من الظلم والقهر والعدوان. صحيح أن هذا الغضب لا يجب التعبير عنه بالعنف والاعتداء علي السفارات والدبلوماسيين الأمريكيين الذين تحميهم الشرائع الدينية والاخلاقية والقوانين الدولية، لكن في نفس الوقت يجب ان تتحمل واشنطن بشجاعة نصيبها من المسئولية عن هذا الغضب حتي ولو كان مرفوضا من جانب غالبية المسلمين. الاحداث الاخيرة يجب أن تدفع السلطات الامريكية لمحاولة البحث بجدية عن سر هذه الكراهية المستمرة خاصة أن غالبية من يرفضون السياسات الامريكية يحترمون الحضارة الامريكية والتكنولوجيا الامريكية والثقافة الامريكية. الازمة الراهنة بين أمريكا والعالم هي أزمة سياسات تسلطية واحتكارية واستعمارية وليست أبدا أزمة عنصرية أو صراعات دينية وثقافية وحضارية. ولايمكن تفسير مشاعر العداء التي تسيطر علي الكثيرين في هذا العالم تجاه السياسات الامريكية في ضوء نظريات حمقاء مثل صراع الحضارات . الحقيقة فقط هي ما يجب أن يبحث عنه الامريكيون وهم يحاولون العثور علي سبب لكل هذه الكراهية.. وما لم يحدث ذلك بشفافية واخلاص ، فسوف يتكرر نفس السؤال في مناسبات اخري قادمة وسنظل داخل نفس الدائرة المفرغة.. أخطاء أمريكية فادحة وردود عصبية غاضبة لا تحركها سوي الرغبة في الانتقام.