نرغب في «فتح» عربة كبدة! كانت هذه جملة رددناها علي مسامع مع أكثر من بائع في مناطق مختلفة، وجاءت ردود أفعالهم مختلفة، فهناك من تجاوب معنا وبدأ في إعطائنا دروسا خصوصية فيها. وهناك من نظر إلينا بريبة وشك. كما وجدنا من يقول: هي ناقصة؟! في إشارة واضحة إلي الانتشار الواسع لعربات الأغذية في كل الشوارع والحواري.. تقدم الكشري والكبدة والحواوشي وغيرها بأسعار زهيدة، بلا تراخيص ولا شهادات صحية، ودون أن يعتني أصحابها حتي بنظافتهم الشخصية. وعادة ما تكون النتيجة أن المشتري يسد جوعه ثم يبدأ رحلة العلاج في المستشفي اذا كان سعيد الحظ! فقبل فترة قصيرة لقي 4 مواطنين حتفهم في مستشفي بولاق الدكرور نتيجة إصابتهم بالتسمم بعد تناولهم «سندوتشات» كبده من احدي هذه العربات وهو ما يجعلها تستحق بجدارة اسم «عربات السم الهاري». وعلي بعد خطوات من معهد القلب بالكيت كات انتشر العديد من هذه العربات، وقفنا بجوار أحدها وطلبنا بعض «السندوتشات»، وتبادلنا الحديث عن رغبتنا في عمل مشروع مشابه، تعمدنا أن يكون صوتنا مسموعا للبائع الذي تدخل علي الفور: «انوي انت بس وملكش دعوة».. وأضاف: «العربة أمرها سهل ولكن «توليفة الأكل» أصعب حاجة. قاطعناه: هل تأكل وأسرتك من الأكل الذي يتبقي معك آخر الليل، أجاب مازحا: «لا ياعم انت عايزني اموت».. ماله الاكل؟ انا مشكلتي اني ما بحبش البهرات والأكل الحراق وعندما سألناه كيف بتبيع الرغيف ب 2 جنيه ونصف»؟. قال وكأنه ينهي الحوار: الرزق بتاع ربنا خدوا سندوتشاتكم». في إمبابة تكرر المشهد نفسه، وتحديدا في منطقة المنيرة، حيث امتلأت العربات بألوان يعلوها الصدأ، ومأكولات مجهولة المصدر والمكونات، يقف بجوارها بائعون أياديهم متسخة، وتحيط بالجميع رائحة نفاذة تتغلب البهارات فيها علي أية روائح أخري. كررنا التجربة السابقة مع بائع شاب فنظر الينا بشك، لكنه عاد ليؤكد أن سر الخلطة في سندوتش الكبدة تكمن في التوابل والشطة وتقطيع الكبدة «عصافيري». في الكثير من احياء القاهرة كالسبتية وشبرا لم يختلف الوضع كثيرا، لكن المشكلة لا تتمثل في العربات وحدها، فهناك «بيزنيس» متكامل يرتبط بها، حيث يكشف ممدوح محمد مراقب سابق بإحدي ثلاجات القطاع الخاص.. أن هناك ثلاجات يملكها بعض ضعاف النفوس، يقومون بالتلاعب في تواريخ اللحوم منتهية الصلاحية، وإضافة الكثير من التوابل لتختفي آثار العفن، كما يعتمد بعضهم الي استخدام تلك اللحوم وشغت المذابح والهياكل وأرجل الدجاج في عمل عجينة الحواوشي بمصانع بير السلم ويبيعونها بأسعار زهيدة. ويحذر الدكتور رضا الشربيني أستاذ سلامة الغذاء بمعهد التغذية من المشكلات العديدة التي تسببها هذه العربات، ومن بينها غسل الأطباق في جردل مملوء بالمياه الملوثة مما يساعد في انتقال الأمراض والأوبئة بالاضافة الي رفع احتمالات التسمم، كما أن السلطة الخضراء التي تقدم مع المأكولات غالبا ما تكون فاسدة. وتشير الدكتورة شقيقة ناصر استشاري الصحة العامة الي ان هذه العربات منتشرة في كل دول العالم، لكن الفرق أن هذه الدول تضع معايير وضوابط للرقابة عليها، وتضيف أن المسئولية تقع علي المحليات لأنها المسئولة عن مواجهة هذه الظاهرة. ويؤكد د. طارق لطفي استشاري الباطنة أن العربات غير صحية وينبغي تحذير المواطنين في التعامل معها، بينما يشدد اللواء عاطف يعقوب رئيس جهاز حماية المستهلك علي ضرورة حصولها علي تراخيص تعتمد علي معايير صحية. محمد وهدان