لم يعد هناك أي حل لعودة قاهرة »الخديو اسماعيل« لجمالها ونظافتها. وتشويه القاهرة في رأيي بدأ مع تولي الرئيس الراحل أنور السادات.. فالرجل اعترف في كتابه »البحث عن الذات« بكراهيته الشديدة للقاهرة وسكانها لمجرد ان بائع دخان سخر منه ذات مرة عندما طلب منه السادات شراء »كسفريت« وكان السادات وقتها قادما من الريف ويقصد »كبريت«!! من يومها أطلق السادات علي القاهريين كلمة »الأفندية« وكان يتعمد السخرية منهم في كل موقف واتخذ السادات قرارا في نفسه بتحويل القاهرة إلي ريف كبير وتعمد السادات عندما أصبح رئيسا للبلاد أن يكون منزله في محافظة الجيزة عكس كل الرؤساء السابقين واللاحقين له كما تعمد السادات بعد نصر أكتوبر مكافأة الجنود المنتصرين من أبناء قبلي وبحري بإقامتهم وذويهم علي أطراف القاهرة فظهرت العشوائيات المقيتة التي تعاني منها العاصمة إلي الآن بعد انتشار ثقافة وسلوكيات الريف من القادمين إليها وتوغت إلي المدينة كلها. وهكذا تحولت القاهرة خلال سنوات قليلة إلي ريف كبير بعد أن كانت حتي نهاية الستينيات من القرن الماضي واحدة من أجمل وأنظف عواصم العالم. وحتي لا يفهم القارئ العزيز انني ضد أهل الريف فأوضح ان عظماء مصر جميعا جاءوا من الريف وكل ما أقصده هو ضرورة عودة العاصمة لقوتها حتي يتم اكتشاف المواهب المصرية القادمة من الأرياف.. فماذا كان سيحدث لو جاءت أم كلثوم والعقاد وغيرهما من العظماء لعاصمة ضعيفة ومنهكة كالتي نعيش فيها الآن.. هل كان سيتم اكتشاف موهبتهما؟! ان سر عظمة أم كلثوم انها عندما وصلت إلي القاهرة في بدايات القرن الماضي كانت العاصمة قوية جميلة ونظيفة وسلوكيات أهلها حتي البسطاء منهم لا تقل عن سلوكيات الطبقة الارستقراطية فتحولت أم كلثوم الفلاحة البسيطة بموهبتها إلي سيدة كاملة الأوصاف حتي ان الأميرات وقتها كن يشعرن بالغيرة منها إذا ما جلست إليهن. قاهرة زمان لن تعود وعلينا البحث عن عاصمة جديدة نظيفة وقوية بدلا من السوق الكبير العشوائي الذي نعيش فيه الآن والمسمي »القاهرة«.