ربما لا يستطيع الرئيس القادم أن يمنع هيفاء وهبي أو أليسا أو دوللي شاهين أوروبي وغيرهن ممن يقدمن نوعية الأغاني العارية التي تعتمد علي لغة الجسد من الغناء في مصر. كما أنه لن يمنع شاكيرا أو بيونسيه أو جنيڤر لوبيز أو ليدي چاچا في حالة دعوتهن للغناء في مصر، كما انه لن يستطيع أن يتحكم في نوعية الأغاني التي تقدمها القنوات الغنائية والتي تعتمد علي لغة العري والخلاعة والانهيار الأخلاقي، لأنه في هذه الحالات سوف يتهم بأنه ضد حرية الإبداع، وسوف تخرج علينا أبواق من كل مكان تهاجمه، وتؤكد أننا في عصر الإسلام السياسي وهذا ربما يكون حقهم في تقديم الفن بوجهة النظر التي تحلو لهم لكنه في المقابل مطالب بتقديم ودعم الغناء الجاد وبالتالي يحدث التوازن في الغناء وتتحقق المعادلة التي تقول إن الإيجابي يطرد الشيء السلبي.. ومن هنا تعود مصر الي ريادتها الغنائية. وهناك العديد من النقاط لابد أن نضعها علي مكتب الرئيس الجديد حتي يعي أن هناك تيارا كبيرا من الموسيقيين ومن الشعب يرفض الغناء المبتذل الذي أصبح ينهش في جسد الغناء المصري منذ ربع قرن وأبرز الموسيقيين الذين نادوا بضرورة عودة الغناء الجاد الموسيقار الكبير حلمي بكر وبسبب صموده في وجه أصحاب الغناء المبتذل تعرض بكر لحملات شرسة كبيرة من أنصاف المواهب. لم يكن بكر فقط الذي صمد لكن هناك أسماء أخري كثيرة منهم الموسيقار محمد سلطان وفيلسوف التلحين عمار الشريعي والموسيقار صاحب النغم المتجدد محمد علي سليمان وصاحب البصمة الهائلة في الأغنية والموسيقي التصويرية المبدع ياسر عبدالرحمن، وكذلك صاحب النغمة الثائرة فاروق الشرنوبي وشقيقه صلاح كل هؤلاء صمدوا في وجه هذا التيار لكن لأن الدولة تخلت عن دورها خلال ال25 سنة الماضية جلس معظم هؤلاء الملحنين في منازلهم ولم يكن بيدهم أي حيلة، فالنظام السابق منح مجموعة من «العيال» ممن أطلقوا علي أنفسهم أصحاب موسيقي الجيل كل الفرص للقضاء علي الغناء الجاد ومنهم نصف ملحن تبناه أنس الفقي خلال الخمس سنوات التي تولي فيها حقيبة وزارة الإعلام في عهد مبارك، وأصبح هذا الملحن يقوم بعمل كل شيء في هذا الجهاز الإعلامي الخطير «ماسبيرو» في الوقت الذي جلس فيه الكبار في منازلهم. الآن الفرصة أصبحت قائمة لإصلاح ما تم تخريبه من عقول الشباب بتلك الأغاني التي تشبه وجبات الهامبورجر التي أصابت المصريين بالكوليسترول والسرطان، الفرصة قائمة لكي يدعم الرئيس الجديد ووزير ثقافته القادم الغناء بمجموعة من القرارات البسيطة أولا أن يقوم اتحاد الإذاعة والتليفزيون وشركة صوت القاهرة بتبني الأصوات الجادة وعرض أغانيهم علي الأقل بنفس درجة عرض الأغاني المخربة للعقول ولن نقول أكثر ونترك للشعب الاختيار لدينا عشرات الأصوات المظلومة في بلدها مثل هاني شاكر وعلي الحجار ومحمد الحلو ومدحت صالح ومحمد ثروت ونادية مصطفي وغادة رجب وإيمان البحر درويش ومن الشباب ريهام عبدالحكيم ومي فاروق ورحاب مطاوع ومروة ناجي وهاني عامر، وهذه المجموعة من الشباب هم أعضاء بفرق الموسيقي العربية بالأوبرا، وجاء دور صوت القاهرة كشركة إنتاج لتبني هذه الأصوات وتقديم أغان خاصة. ماسبيرو أيضا مطالب بعودة الحفلات الغنائية حتي نقدم هذه الأجيال للعالم العربي ليس من المعقول أن تظل مصر عاصمة الغناء العربي ويجلس كبار مطربيها في المنازل يعانون من البطالة أو ينتظرون حفلا كل بضعة أشهر بالأوبرا أو بساقية الصاوي، ماسبيرو لديه من الامكانيات والأدوات لكي يساهم في عودتنا للريادة الغنائية لديه القدرة في التحول في كل محافظات ومدن مصر بهذه الحفلات وما المانع في عودة ليالي أضواء المدينة وما المانع لكي تقوم الإذاعة بدورها في إنتاج أغان هادفة تجمع بين القيمة ولغة العصر ولدينا ملحنون لديهم القدرة علي صنع هذه الأعمال ولدينا أصوات لا يوجد عددها في أي دولة في عالمنا العربي. هل يوجد مطرب في حجم علي الحجار، الذي قال عنه بلاسيدو دومينجو المغني العالمي أنه صاحب الحنجرة الذهبية وهل لدي دولة مطرب عاطفي بحجم هاني شاكر؟ ماذا ننتظر لكي نعطي هذه الأصوات حجمها الطبيعي. المهتمون بالشأن الغنائي يرون أن الرئيس الجديد لديه فرصة كبيرة في كسب تأييد كبار الفنانين وجمهورهم العريض لو اتخذت خطوات عن طريق مؤسسات الدولة لإعادة الهيبة للغناء المصري قبل نجوم الغناء لأن هيبتنا في هذا الإطار اهتزت كثيرا في ظل مشاكل أخري كالقرصنة التي سوف نتناولها في تقرير قادم لأنها أحد أهم أسباب تراجع صناعة الأغنية في مصر، وخلفت وراءها عددا كبيرا من العاطلين في هذا المجال، أيضا شركات الإنتاج العربية ساهمت في تحجيم الغناء المصري بتعمد احتكار الأصوات المصرية وتجميدها مع دعم الغناء اللبناني والخليجي حتي تخرج مصر من الصورة كل هذه القضايا لابد من حلها، فالفن المصري كان أحد أجنحة الدولة، وكان رمزا لحضارة هذه البلد، أم كلثوم وعبدالحليم حافظ وعبدالوهاب نافسوا كبار الزعماء مثل عبدالناصر والسادات ومحمد نجيب وكانوا يستقبلون في الدول العربية بحفاوة رؤساء الدول والملوك، حتي أبناءهم إلي الآن عندما يسافرون لأي دولة يتم استقبالهم علي أفض وجه كما قالت السيدة عفت ابنة الموسيقار محمد عبدالوهاب متحدثة عن تجاهل فن وذكري والدها في مصر بالمقارنة بما يحدث من احتفاء في بعض الدول العربية، وبالمناسبة أيضا كبار الراحلين مطلوب من الرئيس إعادة حقوقهم المنهوبة وإعادة كرامتهم لأنهم صنعوا تاريخ مصر الذي نعيش عليه حتي الآن.