منذ متي لم نسمع مصر تتحدث عن نفسها بصوت أم كلثوم وشعر حافظ إبراهيم.. ولا نشاهد في الشوارع والميادين غير النافورات القبيحة وصناديق القمامة.. في الوقت الذي تتوسط المسلات الفرعونية ميادين العواصم الأوروبية.. ويطوف توت عنخ آمون بلاد العالم حاملاً كنوز الفن الفرعوني.. وقد خلت الساحة في بلادنا من النوابغ وأصحاب المواهب.. وسلطت الأضواء علي نجوم الفساد.. ورموز الفن الهابط.. هل أقول إن ريفنا المصري الذي نظنه فقيراً.. ونسخر من لهجة أبنائه وغفلتهم في مسلسلات التليفزيون.. هو أغني بلاد العالم في النوابغ والمواهب.. وإن اكتشاف موهبة واحدة مثل طه حسين أو أم كلثوم.. لا يقل عن اكتشاف منجم للذهب.. أو بئر للبترول.. ويضيف إلي رصيدنا دخلاً أكبر من قناة السويس.. هل أقول إننا في حاجة إلي أم كلثوم للقرن الحادي والعشرين.. لترتقي بأذواقنا وتنشر الحب في مجتمعنا.. كما كان حالنا في القرن العشرين.. ويتحقق لقاء السحاب مرة أخري بين أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب.. كما تحقق في لقائهما مع شاعر النيل حافظ إبراهيم.. فنسمعها وهي تشدو بصوت مصر.. أنا تاج العلاء في مفرق الشرق.. ودراته فرائد عقدي.. لقد تعودنا علي أن نحلم.. ونطلب من غيرنا أن يحقق أحلامنا.. نحلم بالسلام ونطالب أوروبا وأمريكا بالضغط علي إسرائيل ليتحقق السلام.. نحلم بطبق الفول والفانوس في شهر رمضان.. لتحقق لنا الصين هذا الحلم.. نحلم بالخروج من محبس القاهرة وزحامها وعشوائيتها.. ومواكب الطبالين والزمارين حول كبار المسئولين.. لنقوم بجولة اكتشاف أم كلثوم.. التي حققت الوحدة الوطنية.. وجمعت العرب حول مصر وهي تتغني بالحب.. بعد أن فرقتهم المباريات الكروية.. وننتظر من الصين أن تحقق لنا هذا الحلم.. وقد تأخرت الصين لأول مرة في تحقيق هذا الحلم.. وتعللت بأن فننا ينبع من أرضنا.. وليس من أرض الصين.. وقالت لنا بصريح العبارة.. ماذا تفعل أم كلثوم.. بعد أن تعودنا علي سماع لخبط لخابيط.. شخبط شخابيط.. ثم بعثت إلينا بعروسة من البلاستيك.. تشبه أم كلثوم تمام الشبه.. وهي تشدو بأغنياتها.. واكتشف الكثيرون لعبة في حجم الموبايل.. تباع في شارع عبد العزيز.. ويستطيع حامل اللعبة أن يسافر في الزمن إلي القرن الماضي.. ليحضر حفلات أم كلثوم.. وأمام إصرارنا علي احتياجنا لأم كلثوم.. بلحمها ودمها.. للقرن الحاضر وليس للقرن الماضي.. جاء علماء الصين إلي مصر.. واستطاعوا استخلاص بذرة في حجم حبة القمح.. من صوت اسمهان وهي تغني ليالي الأنس في فيينا.. وحنجرة ليلي مراد وهي تغني الحب جميل.. وأحبال صوت منيرة المهدية التي تطرب المستمعين.. وأوصي علماء الصين بأن نغرس هذه البذرة في أرض الصعيد.. لترتوي مع مياه النيل بالعواطف المشبوبة لأهل الصعيد.. وحنيننهم للأهل في بلاد الغربة.. وهم يحملون «المونة» فوق سقالات البناء.. وعندما تنمو البذرة وتتحول إلي شجرة.. وتتحول حبات القمح فيها إلي أرغفة خبز.. يتناولها الصعايدة.. سوف تظهر أم كلثوم صعيدية.. تجتذب القاصي والداني من مشارق الأرض ومغاربها.. وتوقظ عباس العقاد في أسوان.. وطه حسين في مغاغة.. ولطفي المنفلوطي في منفلوط.. وعبد الناصر في بني مر بأسيوط.. ولويس عوض ومصطفي عبد الرازق في المنيا.. ليستمعوا جميعاً لصوت أم كلثوم.. وهي تتغني بالحب.. تناقلت وكالات الأنباء هذا الخبر.. واحتشد رجال الإعلام حول العالم الصيني «تشانج بيا وبنج» وهو يغرس في أرض الصعيد بذرة أم كلثوم.. وخلت شوارع القاهرة من المارة.. بعد أن تسابق الصعايدة في العودة إلي بلادهم في قطار الصعيد.. لالتهام أرغفة الخبز من ثمار شجرة أم كلثوم.. والاستماع لصوت أم كلثوم وهي تتغني بالحب في أسوان وأسيوط.. والمنيا ومنفلوط.. وطهطا وديروت.. وتحقق حلمنا في وحدة وادي النيل ومنابع نهر النيل فنقضي أجازتنا في الحبشة وأوغندا.. بدلاً من الغردقة وشرم الشيخ.. ونشتري الأراضي الخصبة.. بدلاً من شراء الأراضي و تسقيعها علي الطريق الصحراوي.. كما تحقق حلمنا في زراعة ما يكفينا من القمح.. بعد أن تعثرت أحلامنا في زراعة توشكي والوادي الجديد وزراعة محاصيلنا خارج بلادنا.. إن سحر الفن لا يقاوم.. والجميع ينتظرون أم كلثوم جديدة مع علماء الصين.. صعيدية تتحدث بلهجة أبناء الصعيد.. صوتها مشحون بالعواطف المشبوبة للصعايدة.. وحنينهم للأهل في سنوات الغربة.. في رحلة العودة إليهم بقطار الصعيد..