د. محمد شتا شاع استخدام هذا المصطلح مع فعاليات ثورة 52 يناير عندما اعترض بعض المصريين علي السياسات التي اتبعها المجلس الأعلي للقوات المسلحة في إدارته للبلاد عقب تسلمه السلطة ثم تحول هذا المصطلح إلي هتاف يردده شباب التحرير تعبيرا عن رفض سياسات المجلس الأعلي للقوات المسلحة في إدارة شئون البلاد. ولست هنا في هذا المقال معنيا بمناقشة ذلك الموضوع إنما الذي يعنيني فقط هو العنوان والذي استخدمه بعض الكتاب للتعبير عن تولي أي عسكري سابق مسئولية الحكم في الدولة فيقولون ان مصر منذ عام 2591 وهي تحت حكم العسكر لأن الذي تولي رئاستها في الفترة من 2591 إلي 2102 أربعة رؤساء جاءوا من المؤسسة العسكرية »محمد نجيب، جمال عبدالناصر، أنور السادات، حسني مبارك« وقد يكون ذلك صحيحا من الناحية الشكلية أما من الناحية الموضوعية والعلمية فليس صحيحا علي الإطلاق أن مصر تحت حكم العسكر لمجرد ان رئيس الدولة كان ضابطا سابقا في القوات المسلحة فلو كان جمال عبدالناصر مثلا طبيبا فهل مصر سوف تكون تحت حكم الأطباء ولو كان أنور السادات مهندسا فهل مصر سوف تكون تحت حكم المهندسين ولا يقدح في هذا ان سلطة رئيس الدولة في مصر كانت سلطة متغولة ومتوحشة، أما المعني الموضوعي لحكم العسكر فيكون عندما يتولي الجيش مباشرة إدارة شئون البلاد في ظل أحكام عرفية يسقط معها الدستور والقانون ويتولي الضباط العاملون في الجيش إدارة جميع مرافق الدولة الرئيسية مباشرة اما إذا اعتقدنا ان حكم العسكر يتحقق عندما يكون رئيس الدولة عسكريا سابقا فإن فرنسا كانت تحت حكم العسكر في فترة ولاية الجنرال بيجو وأمريكا كانت تحت حكم العسكر في فترة ولاية الجنرال ايسن هاور وكذلك هناك حالات كثيرة مشابهة في بلاد مختلفة وذلك طبعا يفتقد إلي الموضوعية وإلي العلمية. وظل ذلك الكلام يتردد في الصحف ووسائل الإعلام إلي أن وصل الأمر إلي قيام إحدي الجرائد اليومية بإعداد تقرير قدمت فيه حصرا للوظائف المدنية للجهاز الإداري للدولة التي يشغلها عسكريون سابقون مدللة بذلك علي حكم العسكر في مصر وهو أمر جد خطير ان تفكر الجريدة بهذا الشكل وكأنها بمفهوم المخالفة لا تعتبر ان مصر سوف تنعم بالحكم المدني إلا إذا عزل جميع العسكريين الذين يتولون مناصب مدنية في الجهاز الإداري للدولة وإصدار التشريعات التي تحرم عليهم مستقبلا تولي تلك الوظائف. والمناقشة الموضوعية لهذا الطرح تعني حرمان مصر من خدمات العسكريين المتقاعدين لمجرد ذلك السبب الذي سوف يلاحقه بقية حياته وهو أنه كان يوما ما ضابطا في القوات المسلحة. هل يمكن ان يفهم الأمر علي هذا النحو؟ اعتقد ان الإجابة بلا، إلا إذا كان للجريدة رأي آخر وعليها في هذه الحالة ان توضح فلسفة ومغزي التحقيق الذي تناول هذا الموضوع. هل يعي السيد محرر هذا الموضوع خطورته علي الأمن القومي وتداعياته السلبية علي معنويات ضباط القوات المسلحة عندما يعرفون ان التحاقهم بها سوف يحول بينهم وبين تولي أي وظيفة مدنية مستقبلا وهم الذين يتقاعدون في سن مبكرة هذا من جانب. ومن جانب آخر حرمان مصر من كفاءات وطاقات إدارية ممتازة اكتسبت خبرة في مجال الإدارة والقيادة علي مدار سنوات طويلة من عملهم بالقوات المسلحة. وهل يعلم السيد محرر هذا الموضوع ان حرمان ضباط القوات المسلحة السابقين من تولي وظائف قيادية في الجهاز الإداري للدولة يمثل مخالفة صريحة لأحكام الدستور والقانون. فجميع الدساتير المصرية »السابقة والمنتظر صدوره« تنص علي ان المواطنين متساوون في الحقوق والواجبات ومن حيث القانون فالقانون رقم 5 لسنة 2991 والذي ينظم شغل الوظائف القيادية في الجهاز الإداري للدولة يبيح لكل من يحمل مؤهلا عاليا ومدة خبرة معينة »يحددها شروط شغل الوظيفة« التقدم للوظيفة المعلن عنها ولا يملك كائن من كان إقصاء حاملي مؤهل معين »المؤهلات العسكرية« من التقدم لهذه الوظيفة.يا أيها المحرر الذي تصورت انك اجتهدت وقدمت للقراء خبطة صحفية جيدة أرجوك راجع نفسك وصوب ما وقعت فيه من خطأ، ويا أيها الكتاب والمفكرون قولوا للناس ماذا يعني حكم العسكر حتي لا يساء استخدام هذا المصطلح بحسن نية ويكون لذلك الفهم الخاطئ تداعيات خطيرة علي الأمن القومي المصري وليعلم القاصي والداني ان العسكرية المصرية قدمت لمصر علي مر التاريخ أعظم زعمائها بدءا من الظاهر بيبرس ومحمد علي وأحمد عرابي وجمال عبدالناصر وأنور السادات كما قدمت في المواقع التنفيذية مجموعة من أفضل وأنبل القيادات أثر العمل التنفيذي وارتقوا بأدائه ولولاهم لتدهور حال الأداء إلي الأسوأ. والله والوطن من وراء القصد.