ينبغي أن يتميز أي باحث بالموضوعية بعيدا عن الفكر الإيديولوجي أو الميول الشخصية, ومن هذا كان التحليل الذي قدمناه لثورة52 يناير في مصر والقوي السياسية التي قامت بالأدوار الرئيسية. كانت هناك قوتان رئيسيتان لعبتا دورا أكثر عقلانية هي القوات المسلحة التي لم تكرر التطلع للسلطة بنفس ما حدث مع ثوار2591, والقضاء الذي أصبح أكثر استقلالية ونزاهة من نظيره في عهد ليبرالية ما قبل ثورة2591, أما المثقفون والإعلاميون للأسف فقد سقطوا بجدارة, فقد نافقوا نظام حسني مبارك كما نافقوا الشباب, أما معظم الأحزاب السياسية فقد سقطت سقوطا نسبيا, إذ تذبذبت مواقفهم بين قوي الثورة وطموحاتهم الذاتية والحزبية, ولذلك عجزت الأحزاب القديمة, وعجز الثوار الشباب عن تحقيق مكاسب تذكر في الانتخابات البرلمانية الأولي النزيهة نسبيا, لأن قوي الإسلام السياسي استخدمت الشعارات الدينية والشعب المصري بطبعه متدين فسار وراء رافعي الشعارات, ولكنه سرعان ما أدرك الفارق بين الشعار السياسي والعمل السياسي, فكان تصويته في الجولة الأولي من الانتخابات الرئاسية يعكس حكمة أجيال وحضارة شعب مصر وكذلك في الجولة الثانية. لقد كانت أكبر أخطاء حزب الحرية والعدالة استمرار تبعيته للاخوان المسلمين ومرشدهم, وبذلك خلطوا بين الدين والسياسة, فأثاروا قطاعات عديدة من المجتمع, وبخاصة الأقباط والمسلمين المعتدلين. كما أنهم تصرفوا بطمع سياسي فتحولوا إلي صورة مكررة من الحزب الوطني غير المأسوف عليه, وسعوا للاستحواذ علي مختلف مفاصل الدولة, فضلا عن إساءتهم للركائز الأساسية في الدولة بوجه عام, وفي الدولة المصرية صاحبة الحضارة العريقة بوجه خاص, هذه الركائز هي القوات المسلحة. القضاء. الشرطة. وهي الوظائف الثلاث الرئيسية في أية دولة وفقا للنظرية الليبرالية. نقول إن ثلاث قوي نجحت بامتياز في التجربة الديمقراطية المصرية وبخاصة في ضوء قراءة المؤشرات الأولية لنتائج الانتخابات الرئاسية: الأولي: هي الشعب المصري الذي أقول دائما إنه رغم الأمية والفقر وأيضا المهادنة لحكامه وصبره طويلا عليهم, فإنه مثل سيدنا يعقوب عندما قال لأبنائه فصبر جميل عسي الله أن يأتيني بهم جميعا( يوسف83). هذا الصبر الذي جعل الشعب يضع ثقته في حسني مبارك بحسن نية ثم ثار عليه ويضعها في الاخوان المسلمين, ثم عاقبهم في الانتخابات الرئاسية في الجولة الأولي عندما لمس مواقفهم المتغيرة وإلي حد ما في الجولة الثانية, كما وضع ثقته الكاملة في الشباب, ولكنه وجد منهم سرعة وتعجلا. الثانية: هي قوة القضاء واستقلاليته الذي شعر بدوره يزداد أهمية منذ سقوط حكم مبارك, كما ظهر ذلك في أحكام المحكمة الدستورية حول قانون العزل وقانون مجلس الشعب والانتخابات, وهذا الحل للمجلس ليس جديدا, فقد حدث عام7891 م في ظل نظام حسني مبارك. الثالثة: هي القوات المسلحة وهي ينطبق عليها ما قاله ماوتسي تونج وغيره من الثوار إن السلطة تنبع من فوهة البندقية وتاريخ القوات المسلحة المصرية تاريخ حافل بثلاثة أمور: البطولات, والنكسات, والحس الوطني. البطولات من أحمس محرر مصر وطارد الهكسوس إلي رمسيس الثاني, وحور محب وغيرهم, وفي العصر الحديث أحمد عرابي وجمال عبدالناصر وأنور السادات كل كان له مشروعه الوطني لبلاده, ورؤيته واستراتيجيته, وأحيانا تحالف ضده الأعداء, وركزوا علي نقاط ضعفه فأخفق في أهدافه ولكن في جميع الحالات كان الحس الوطني والولاء الوطني, والإيمان بالوطن, هو دافعه, فعبدالناصر أطلق ثورة2591 شاركه الآخرون من قيادة الثورة بمن فيهم أنور الشادات, الذي اطلق حرب أكتوبر المجيدة وبدأ عهد الحريات الاقتصادية والسياسية المحدودة. تحية لشعب مصر وأيا كان الفائز النهائي في الانتخابات. إقول للفائز بالرئاسة أحرص علي العقلانية والاعتدال وتعلم من حكمة الشعب, وأعمل لمصلحة الشعب بأسره, أيا كانت ديانته أو مذهبه السياسي أو فكره, فالجميع مصريون بلا أدني تمييز, وليحترم الجميع نتائج صناديق الاقتراع وهذه هي الديمقراطية. المزيد من مقالات د. محمد نعمان جلال