لا أبالغ عندما أقول إن استمرار احتلال إسرائيل لبعض الأراضي العربية المحتلة بعد حرب 76 ، مازال يشكل هاجساً أساسياً يؤرق أبناء مصر، الذين يعبرون عنه بشكل مستمر، مما جعل الفتور والجفاء سمة أساسية في علاقة مصر مع إسرائيل. ورغم وجود معاهدة للسلام بين البلدين ، إلا أن ثوابت السياسة المصرية لاتزال تؤكد أهمية وضرورة استعادة كل الأراضي المحتلة. بما فيها الجولان السورية. يحدث ذلك رغم كل الغيوم والضباب الذي اعتري علاقة مصر وسوريا ، بسبب بعض الخلافات في وجهات النظر، والتي وجد فيها البعض من خارج دائرتنا العربية فرصة سانحة للصيد في الماء العكر. والواقع علي الأرض يؤكد أن علاقة البلدين كانت - وستظل - دوماً أحد الروافد الأساسية في قوة أي عمل عربي مشترك. في الأسبوع قبل الماضي، رافقت المهندس رشيد محمد رشيد وزير التجارة والصناعة في زيارته لسوريا، علي رأس وفد من كبار المستثمرين المصريين. وعلي مدي 63 ساعة هي مدة الزيارة، تأكدت من جديد أن ما يجمع مصر وسوريا أكبر وأعمق بكثير من أي سحابات صيف عابرة!! ورغم قناعتي بأن معظم زيارات المهندس رشيد محمد رشيد للخارج، تحمل اجندة عمل ثرية، تصلح زاداً لأي كاتب أو صحفي يتابع مسيرة تطور اقتصاد بلاده، وجهود دءوبة للحاق بركب تخلفنا عنه كثيراً - رغم تلك القناعة - دعوني أصارحكم القول بأن كل زيارات المهندس رشيد للخارج مرهقة الي اقصي الحدود التي قد يطيقها البشر.. خاصة الذين تخطوا صفحة منتصف العمر، وبدأوا يشعرون أن زمن الشباب والصحة قد ولي ، أو أوشك علي ذلك. في كل زيارات المهندس رشيد للخارج، فإن برنامج العمل لايترك لاعضاء الوفد المشارك له أدني فرصة لالتقاط الانفاس.. فبين اجتماع واجتماع تأتي عشرات اللقاءات الثنائية، التي يحرص فيها وزير التجارة والصناعة علي خلق أرضية مناسبة مع نظرائه، لتحقيق الاهداف التي يضعها علي اجندته قبل الزيارة، والتي كثيرا مايراجعها خلال ساعات السفر داخل الطائرة. ولأن زيارة سوريا في هذا التوقيت بالذات، تحمل العديد من المعاني، لعل أهمها وأولها ان مصر قادرة علي تحمل دورها ومسئولياتها، كأكبر دولة عربية كانت وستظل دائماً حصناً يدافع عن مصالح وحقوق شعبها العربي، واذا كانت غيوم السياسة احيانا تساهم في تكوّن جبال الجليد بين الدول، فإن الاقتصاد يؤكد قدرته دائما علي اذابة هذا الجليد. مفهوم المصالح المشتركة يشكل أبجديات لغة يجيدها المهندس رشيد محمد رشيد.. وبطريقة مصلحتي ومصلحتك، تأتي القناعة التي يعقبها الحماس، لتتحول نقاط الاتفاق الي واقع ملموس علي أرض مصر وغيرها من الدول.. فخلال سنوات قليلة، تحولت مصر الي قبلة للاستثمارات العربية والاجنبية، حيث ارتفعت الاستثمارات في قطاع الصناعة من 6 الي 34 مليار جنيه، ووصلت صادراتنا غير البترولية إلي 2.41 مليار دولار، في سابقة لم تشهدها مصر من قبل. في سوريا، وجدنا حفاوة لم تكن غريبة علي الاشقاء السوريين . لكنها كانت هذه المرة حفاوة اقترنت بلغة تلاقي وعتاب العيون.. لم يكن عتاباً بقدر ماكان تأكيداً علي ان علاقة البلدين لايمكن لأي خلافات ان تنال منها، أو تؤثر فيها. في وزارة الاقتصاد، التقي أعضاء الوفد المصري، برئاسة المهندس رشيد، مع اعضاء الوفد السوري برئاسة السيدة لمياء عاصي وزيرة الاقتصاد، التي أبدت ترحيباً بالوفد المصري، أعقبته سلسلة من قضايا النقاش، كانت هي نفسها النقاط التي اعدها الوفد المصري للتباحث والحوار مع الاشقاء السوريين، ومنها زيادة التبادل التجاري بين البلدين ، وتسهيل اجراءات الجمارك وشهادات المنشأ، وإنشاء شركة قابضة مشتركة بين البلدين، وخطوط للنقل، بالاضافة لتنشيط المعارض، وبحث امكانية افتتاح بنوك مصرية أو مشتركة في سوريا. وكانت تلك القضايا أيضاً محوراً في اللقاء مع وزيري الصناعة الدكتور فؤاد الجوني، وهو خريج الكلية الفنية العسكرية بمصر، والدكتور محمد الحسين وزير المالية.. وقد حرص المهندس رشيد محمد رشيد خلال اللقاءين، علي تأكيد حرص مصر علي دعم كل مجالات التعاون الثنائي مع سوريا، بما يحقق مصالح الشعبين، ويدفع بتعاون القطاع الخاص في البلدين لآفاق أوسع وأرحب، تستفيد فيها مصر و سوريا بالسوق الأفريقي، والسوق الآسيوي لصادرات بلديهما. كانت مفاجأة للمهندس رشيد محمد رشيد وزير التجارة والصناعة.. وكانت مفاجأة أيضًا لعبدالله الدردري نائب رئيس الوزراء السوري، ولوزيرة الاقتصاد لمياء عاصي. فقد دخل المسئولون الثلاثة إلي قاعة الاجتماعات، للمشاركة في اعمال المجلس المصري -السوري المشترك لرجال الأعمال، حيث فوجئوا بوجود ما يقرب من ألف مستثمر ورجل أعمال، منهم ما يقرب من 06 مصريا،ً هم أعضاء الوفد المشارك للمهندس رشيد في زيارته لسوريا.. وخلال يومي الزيارة، نشرت كبري الصحف السورية إعلانات موجهة لرجال الأعمال والمستثمرين السوريين، تدعوهم للقاء أعضاء الوفد المصري. 63 ساعة، لا أبالغ عندما أقول انها ساهمت في ذوبان جبل الجليد، وإعادة الدفء في علاقة البلدين، وأكدت من جديد أن مصر وسوريا يمكنهما معا أن يكونا جسراً في عالم أرحب، من اقتصاد لم يعد يعترف بأي مؤثرات سياسية، أو اختلاف في بعض وجهات النظر والمواقف. زيارة رشيد لسوريا كانت صفحة جديدة في علاقات البلدين.. صفحة لن نبدأ الكتابة فيها من أول السطر، ولكن بالدخول مباشرة في صلب القضية، قضية المصالح الاقتصادية التي تتحقق من خلالها مصلحة الشعبين اللذين كانا- وسيظلان - شعبا واحدا في ساعات السراء والضراء. وإذا كان الطابع الرسمي، قد سيطر علي لقاءات منفردة، عقدها المهندس رشيد محمد رشيد مع كبار المسئولين السوريين، وفي مقدمتهم المهندس محمد ناجي عطري رئيس الوزراء السوري، فإن اللقاءالموسع مع أعضاء مجلس الاعمال المشترك في البلدين، حمل عديداً من المعاني، التي تؤكد مدي أهمية الزيارة وعمق نتائجها.. وقد حضر اللقاء رئيسا المجلسين أحمد الوكيل، رئيس غرفة تجارة الاسكندرية، والمهندس خلدون، الموقع عن الجانب السوري. كلمات المهندس رشيد محمد رشيد وعبدالله الدردري ، كانت سجالاً في المحبة بين البلدين، والتأكيد علي أن العلاقات الاقتصادية، تظل اقوي بكثير من أي خلافات في وجهات النظر السياسية. حرص عبدالله الدردري- وعن عمد- علي تأكيد ذلك مستخدماً بلاغته، وأيضاً محبته الكبيرة وتقديره وتقدير بلاده وقيادته للرئيس مبارك وشعب مصر.. وكان من بينها دعابة، قال فيها إن مجموعة من المواطنين المصريين والسوريين جاءهم شخص أجنبي وسألهم : من فيكم المصريون؟ فرفعوا جميعهم ايديهم، فعاد يسألهم: من فيكم السوريون؟ فرفعوا جميعا أيديهم. أحد المستثمرين السوريين قال لنائب رئيس الوزراء السوري، هل تسمح لي بأن انقل مصنعي من سوريا لأعمل في مصر.. انهم يقدمون حوافز ضخمة وتيسيرات غير مسبوقة، فقال له: يمكنك ان تفعل ذلك.. لكن فكر أولا في فتح مصنع جديد لك بمصر. المهندس رشيد أكد مجددا أن مصر ترحب بكل الاستثمارات السورية، وترحب ايضا بخروج الاستثمارات المصرية للعمل بسوريا، وخلال اللقاء اعطي المسئولان -السوري والمصري - موافقتهما علي بعض المشروعات الجديدة في البلدين، لعل اهمها مصنع لسماد الفوسفات، تقدم به المهندس شريف الجبلي، والسماح بإقامة معرض للمنتجات السورية بمصر.. ثم قال له: عموماً نحن بلد واحد لا فرق بيننا، وأي إضافة جديدة لاقتصاد مصر، هي اضافة قوية لاقتصاد سوريا. وبعد اللقاء، عقدت لقاءات ثنائية بين المستثمرين من الجانبين، حيث تم الاتفاق علي العديد من المشروعات المشتركة، والتي تصب كلها في خانة المصالح المشتركة.. مصالح آن لها أن تكون صاحبة القول الفصل في علاقات الدول والشعوب.