ما زال الوضع المتفجر في سوريا يثير تساؤلات امريكية عديدة فالبعض يري ان ما يجري هو نهاية حكم بشار الاسد في حين يري آخرون ان هذا هو الوجه الدامي الجديد لحرب اهلية عارمة وفي واشنطن ما زالت الادارة الامريكية لا تريد التدخل السافر في البركان السوري فهي علنا تقف بعيدا كمشاهد للمأساة ولكنها وعند اللزوم تصرح عبر مصادرها بان الايدي الامريكية فاعلة وتتحرك. وبعد ان اعلنت دمشق دون تحفظات ان لديها مخزونا من الاسلحة الكيماوية سيستخدم ضد اي تدخل خارجي تغير الاسلوب الحذر الذي يستخدمه الرئيس اوباما في تعامله مع تهور النظام السوري واكد ان بلاده تحذر وتندد دمشق بانها ستكون مسئولة امام واشنطون والمجتمع الدولي اذا ما اقدمت علي ارتكاب الخطأ الجسيم باستخدام السلاح الكيماوي. ولكن هذا الانذار الدبلوماسي لم يرض جميع الاوساط المحافظة في الولاياتالمتحدة واعتبر ريتشارد هاس رئيس مجلس العلاقات الخارجية ما صرح به الرئيس الامريكي باراك اوباما بمثابة ضوء اصفر للتحذير.. ويري هاس ان الانذار بتحمل المسئولية فقط لا يكفي واشار الي ضرورة قيام الادارة الامريكية بما اقدم عليه وزير الخارجية السابق جيمس بيكر في عام 1990 عندما هدد العراق بانها ستواجه تداعيات جسيمة لتمسكها باسلحة الدمار الشامل. ولكن الاندفاع نحو الخيار العسكري لا يلقي تأييدا او مساندة في اغلب الاوساط الامريكية حيث ان التجربة المريرة في العراق ما زالت عالقة في اذهان الشعب الامريكي. ونصح خبراء عسكريون بان يكون التدخل العسكري من خلال رؤية واضحة وهو امر تفتقده واشنطون ولا تخفي ذلك وفي عام انتخابات الرئاسة يري المراقبون ان اي تدخل عسكري لن يكون سهلا وغالبا ما سيشفل في تحقيق الهدف المرجو حيث ان هذا التدخل لابد ان يتطرق لمواضيع وقضايا عديدة مما سيؤدي الي امتداده عدة اشهر وربما سنوات كما ان التدخل العسكري لا يمكن ان يكون باي حال من الاحوال »تدخلا حياديا« وغالبا ما تري الاطراف المتصارعة ان هذا التدخل هو جزء من المشكلة وليس حلا لها مما يزيد من تعقيد الموقف ويري الخبراء ان اي تدخل لا يجب ان يتم بمعرفة طرف او دولة واحدة بل هناك حاجة لوجود شركاء حتي يمكن اضفاء صفة الشرعية الدولية علي عملية التدخل الي جانب ضرورة تحمل الشركاء جزءا من عبء عملية التدخل. واذا كان موقف الادارة الامريكية يتحرك ببطء فان هناك اجماعا في الاوساط السياسية والعسكرية علي بقاء الالة العسكرية الامريكية خارج نطاق النزاع مع زيادة دعم عناصر المعارضة ومن المعروف ان واشنطن تتوجس من تشكيلة المعارضة التي تضم بعض عناصر من القاعدة وعناصر متطرفة تساند الثوار الذين ينادون بالديمقراطية وهو وضع لا تستطيع واشنطن الا ان تسانده علي امل تمكن عناصر الاعتدال من الامساك بعجلة القيادة بعد الاستيلاء علي الحكم ويؤكد الخبراء ان ما جري في ثورات الربيع العربي لا يؤكد اي شيء حتي الامل ولكن واشنطن اصبحت قادرة علي التأقلم والتوافق مع اي نظام يخدم مصالحها ونفوذها. وفي الوقت الذي احتشدت فيه السفن الحربية الروسية في البحر الابيض المتوسط حيث جاءت من الشرق عبر جبل طارق ومن الشمال من البحر الاسود رأي بعض المراقبين ان الوضع ينذر بحرب شاملة في المنطقة خاصة علي ضوء مواجهة دبلوماسية حدثت فيما بين روسيا وبريطانيا عندما اعترضت لندن علي قيام سفينة روسية تحمل طائرات هجومية لسوريا باعتبار ذلك مخالفا لقرار الاتحاد الاوروبي بمنع تسليح النظام السوري وكانت السفينة ترفع علم دولة صغيرة بالكاريبي لتفادي اي مواجهة اوروبية الا ان المعلومات التي توافرت لدي بريطانيا اكدت ان الحمولة الروسية تتجه الي سوريا.. وسرعان ما سحبت موسكو السفينة الا انها اعادتها الي رحلتها الاولي وهي ترفع العلم الروسي وقد ابحرت في حماية زوارق نووية روسية وقد اصرت موسكو علي تأكيد عدم التزامها بالعقوبات التي فرضها الاتحاد الاوروبي علي سوريا. وكانت المواجهة فيما بين روسيا والصين من جانب والدول الغربية من جانب آخر قد تصاعدت بعد الفيتو الثنائي الذي استخدم في مجلس الامن منذ تسعة ايام لمنع قرار يهدد بفرض عقوبات علي سوريا اذا لم تسحب اسلحتها الثقيلة من المدن وقوبل احتجاج السفيرة سوزان رايس مندوبة الولاياتالمتحدة علي موقف روسيا ودعمها لنظام يقتل شعبه برفض روسي عنيف تم التأكيد فيه علي ان اي محاولة للتحرك خارج مجلس الامن ستكون غير مجدية وستؤدي فقط الي تقويض مصداقية الاممالمتحدة. وكان سيرجي لافروف وزير خارجية روسيا قد اوضح ان فرض عقوبات علي دمشق في هذه المرحلة انما هو تعضيد ومساندة للمعارضة وهو ما يعد حسب تصريحه تأييدا مباشرا للحركة الثورية وليس من اختصاص مجلس الامن الحديث عن الثورات. ومن الجدير بالذكر ان موقف موسكو من مساندة الاسد ونظامه لا يرجع فقط لان دمشق عميل هام في سوق السلاح الروسي وانما يرجع بصفة اساسية الي موقفها المبدئي الرافض للتدخل في شئون الدول وقد تجلي هذا الموقف والخلاف الشديد مع واشنطن عندما قام مجلس الامن منذ حوالي عشرين شهرا بمناقشة قضية هامة تحت مفهوم »مسئولية الحماية« والمعني بها التدخل الدولي لحماية اي شعب تمارس ضده عملية قمع من قبل الحكومة الوطنية.. واوضحت موسكو ان اي حكومة من منطلق مبدأ السيادة يمكنها ان تتصرف كما يحلو لها داخل حدودها اما الموقف الامريكي والغربي من هذه القضية فقد كان واضحا وهو ان التدخل للحماية واجب انساني دولي.