هذا جزء من حديث نبوي شريف قال فيه الرسول صلي الله عليه وسلم: (إن الله تعالي يرضي لكم ثلاثا ويكره ثلاثا فيرضي لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا، وأن تعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا، وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم، ويكره لكم قيل وقال، وكثرة السؤال، واضاعة المال) وقد اشتمل التوجيه النبوي في هذا الحديث علي أمور يحبها الله ويرضاها للعباد وهي أن نعبده وحده لا نشرك به شيئا، وأن نكون علي قلب رجل واحد معتصمين بحبل الله جميعا ولا نتفرق، وان نناصح من ولاه الله أمرنا فنبذل له النصيحة. ويكره لنا: »قيل وقال«، لأن انتشار الشائعات من أسباب انهيار المجتمعات، كما يكره لنا كثرة السؤال واضاعة المال. وموضع الشاهد من هذا الحديث النبوي هو التوجيه إلي »النصيحة« وجاء التعبير في الحث عليها بقوله صلي الله عليه وسلم: »وان تناصحوا من ولاه الله أمركم« فجاء الأمر بالنصيحة بصيغة »التفاعل« وهو التناصح، وهذه الصيغة في اللغة العربية تفيد اشتراك الطرفين في النصيحة وليست من طرف واحد، أي ان النصيحة واجبة علي المجتمع تجاه ولي الأمر، وواجبة علي ولي الأمر تجاه الرعية، فيشترك الطرفان الراعي والرعية في النصيحة، حتي يستقيم أمر المجتمع، وحتي يسود الحق والعدل والخير. فلاشك ان الراعي في أمس الحاجة إلي النصيحة وإلي الرأي والرأي الآخر وإلي استشارة الناس ونصيحتهم فلا يصلح لولي الأمر ان يتأبي علي النصيحة ولا أن يستبد برأيه، بل عليه أن يستضيء بكل رأي نافع، وبكل مشورة فيها الخير، فهو لو نظر إلي رسول الله صلي الله عليه وسلم وهو خير خلق الله وهو النبي المعصوم الذي يوحي إليه ومع هذا قال له رب العزة سبحانه: (وشاورهم في الأمر) وقال الله تعالي: (وأمرهم شوري بينهم) ومن أجل ذلك نراه عليه الصلاة والسلام استشار أصحابه في الخروج لغزو بدر الكبري واستشارهم في موقع نزول الجيش وفي شأن الأسري إلي غير ذلك من الأمور. وطبق أصحابه من بعده مبدأ الشوري فنري أبا بكر الصديق رضي الله عنه حينما تولي الخلافة قال في أول خطاب له للأمة: »اني وليت عليكم ولست بخيركم فإن رأيتموني علي حق فأعينوني وان رأيتموني علي باطل فقوموني«. ونري من يقول لعمر بن الخطاب رضي الله عنه: »لو رأينا فيك اعوجاجا لقومناه بسيوفنا«، فقال رضي الله عنه: »الحمد لله الذي جعل في الأمة من يقوم اعوجاج عمر«، انه فرح بشجاعة الرأي والنصيحة في المجتمع وحمد الله تعالي علي هذه النعمة التي أنعم بها عليه لأن فيها صلاح المجتمع وصلاح الراعي والرعية. ومن النصيحة للراعي ألا تخاف الرعية أن تقول كلمة الحق خاصة عندما تري جورا فقد قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: (أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر). وعلي ولي الأمر أن يتخذ لنفسه نخبة من أهل الذكر المخلصين والمتخصصين في المجالات المتعددة فيأخذ برأيهم ونصحهم ومشورتهم، وأن يبتعد عن الاستبداد بالرأي، فإن الاستبداد بالرأي يورد صاحبه موارد الهلاك، كما ان استشارة غير المخلصين أو بطانة السوء الذين لا هم لهم إلا مصالحهم الخاصة من أخطر من ينغص حياة ولي الأمر فعليه أن يحذر بطانة السوء وأن يحذر الاستبداد بالرأي. وكما أن واجب ولي الأمر أن يلتمس النصيحة والمشورة، فإن واجب الرعية ان تتقبل النصيحة من ولي الأمر وأن تطيعه في المعروف وفي غير معصية، لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق أما طاعته في أمور الخير والنفع للمجتمع فواجبة كما أمر الله تعالي بها حيث قال الله سبحانه: »يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم«. ومن اخلاص ولي الأمر لرعيته أن يقيم العدل والمساواة بينهم وألا يحابي أحدا من أبنائه أو أقاربه أو أصدقائه أو الذين كانوا يوالونه ويساعدونه في الانتخابات أو أبناء حزبه أو تياره بل لابد أن يكون عادلا بين الجميع وألا يظلم أحدا علي حساب أحد آخر. فلا يحابي أحدا، ولا يقرب أحدا علي حساب غيره وألا يباعد بينه وبين البعض. ومن الكلمات الحكيمة الرشيدة كلمة الحق التي أذيعت من تسجيلات إمام الدعاة فضيلة الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تعالي عندما تكلم عن (الثائر الحق) حيث قال: الثائر الحق هو الذي يثور ليسقط الفساد ثم يهدأ فيبني الأمجاد، ثم يجمع الطرفين علي رجليه ويجلسهم قريبا منه يشير بذلك ألا يباعد بينه وبين الآخرين بل عليه أن يعدل بين الجميع، وان يقرب الجميع منه، وأن يعمل علي نشر المحبة والمودة والاخوة بين جميع أفراد المجتمع، لأن المجتمع في هذه الآونة في أمس الحاجة إلي جمع الصف ووحدة الكلمة. وعلي ولي الأمر أن يعلم انه ان ظلم أحدا علي حساب آخر، أو حابي بعض الناس لقربهم منه فإن الله تعالي يحاسبه حسابا عسيرا، فقد قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: (من ولي من أمر المسلمين شيئا فولي عليهم أحدا محاباة فعليه لعنة الله لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا حتي يدخله جهنم). وعليه أن يسوي بين الجميع وألا يحابي أحدا علي حساب غيره، لقد قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: »إنما أهلك من كان قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، والذي نفسي بيده لو ان فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها«.