يبقي يوم الأربعاء 23 مايو 2012 يوما تاريخيا بحق وليس من باب المبالغة كما تعودنا في وصف أحداث تافهة من قبل. خرج الشعب المصري لأول مرة في التاريخ يختار حاكمه من بين عدة مواطنين تساوت مراكزهم ومواقعهم لدي المواطنين لا فضل فيهم لأحد علي الآخر. المفارقة أن يوم أربعاء سابق بتاريخ 23 يوليو 1952 صنع تاريخا لمصر، حررها لأول مرة في التاريخ من حكم الأجانب، من أسرة محمد علي، شئنا أم زورنا التاريخ فهم أجانب وكان الشاب غير المتكرر جمال عبد الناصر أول من جرؤ علي تغيير مسار التاريخ ووضع مواطن مصري علي كرسي الحكم في وطنه. تغير الأشخاص والظروف يسمح بتغير الأوضاع والأحوال في الدول. فانحراف حاكم عن الطريق القويم من شأنه أن يدفع الشعب لتغييره سواء بالطرق الديمقراطية أي الانتخابات أو بالقوة كما حدث في مصر مؤخرا، فدوام الحال من المحال. الأهم أن يعي الشعب تجربته ويراقب حاكمه من خلال مؤسساته المنتخبة ومن خلال منظمات المجتمع المدني ومن خلال وسائل الإعلام. وقد شهدت مصر علي مدي ما يقرب من 16 شهرا الماضية أحداثا تحتاج إلي مجلدات في التاريخ وتعلم الشعب المصري أكثر مما تعلمه في قرون سابقة، المهم أن نعي جميعا التجربة وأن نستفيد مما عانينا منه خلال تلك الفترة. فإذا كان المصريون قد خرجوا من قمقم الزمن وتحرروا من القيود والجمود السياسي فهم خرجوا أيضا من قمقم التحضر والالتزام واحترام القانون خرجوا من قمقم الأخلاق والمبادئ وعاثوا في الشوارع فسادا. لقد مارس الشعب حريته علي طريقة الفوضي فاختفي الشعور بالأمن وتصرف كل فرد علي هواه بدون وازع فأصبح المجرمون أسياد الشوارع وأصاب الذعر الرجال والنساء والأطفال وشهدنا اعتداءات حتي علي بعض المرشحين لرئاسة الجمهورية. مارس المصريون حريتهم فتحولت الشوارع إلي مزبلة كبيرة لو نظرت إليها من الطائرة لعرفت أن المصريين يعيشون أقذر عهودهم الحياتية بعدما احتل البلطجية الشوارع وسدوا المنافذ وتحكموا في سير العباد العاديين وجعلوهم يعيشون أسوأ لحظات حياتهم. افترشوا الشوارع ببضاعاتهم وبدلا من شكوانا السابقة من احتلال الرصيف، احتلوا في العهد الجديد الشوارع نفسها ولم يعد هناك شارع من الأصل. استعمر كل صاحب محل مساحات أمام محله تعويضا عن حقه في الدولة المصرية باعتبار أن بيت أبوه وقع والمفروض أن يأخذ منه قالبا، والحمد لله انه اكتفي باخذ عشرات الأمتار المربعة كحق من الدولة المصرية التي سقطت في أعين أبنائها ولم تعد موجودة. وإذا كانت هذه نظرة المجرمين والبلطجية وقطاع الطرق الذين استباحوا كل شئ فهي أيضا نظرة بعض الذين يدعون الثقافة ويدعون الثورية الذين طالبوا بإسقاط الدولة المصرية وإسقاط الجيش وبناء كل شئ من جديد (علي هواهم طبعا). أي أن الدولة المصرية كادت أن تذهب ضحية شعبها، ضحية السذج منهم الذين لا يدركون أبعاد الموقف السياسية والتآمرية وضحية المغرضين منهم الذين ينفذون مخططات خاصة بهم أو مخططات خارجية تهدف بالفعل الي ضرب أقدم دولة في التاريخ وقطعها من جذورها. خرج الشعب المصري من القمقم ويتبع خروجه كل عربي في كل مكان في انتظار من سيحكم هذه الدولة العبقرية. من الذي سيختاره الشعب المصري. ليس بالضرورة أن يكون الحاكم الجديد أفضل المرشحين أو أفضل مواطن لأن الشعب يختار بعواطفه أكثر مما يختار بعقله ولكن المهم أن يكون الحاكم المصري الذي يؤثر علي مساحة جغرافية إقليمية كبيرة ويؤثر علي أكثر من 400 مليون عربي ويؤثر علي رسم السياسة والتاريخ والجغرافيا في العالم، أن يكون علي قدر هذه المكانة وقدر هذه المسئولية. ونطالبه نحن المواطنين أن يعيد الشعب المصري إلي قمقم الأخلاق والأمن والمبادئ والالتزام والاحترام وعليه أن يستعمل العصا لمن عصي لأن قيادة دولة بحجم مصر لا تكون بالطبطبة والدلع.