كمال حبيب يولد الشعب المصري من جديد ، وتولد معه نسمات الأمل بحرية هذا الوطن ، هذا الشعب الذي اعتاد حكامه أن يعتبروه هملاً أقرب للمتاع الذي يتركه المالكون للورثة يتمرد ويرفض ، نحن في ندوة " آفاق الإصلاح السياسي في مصر " كنا نتحدث عن الثقافة السياسية للمصريين التي تعبر عن الانسحاب والنكتة والشكاية للأولياء الصالحين ، وتقديم العرضحال ولكن كانت هناك تعبيرات للرفض لكنها كانت عبارة عن شذرات قليلة في سماء ثقافتنا وهي اليوم تسطع لتصبح بدراً وقمراً منيراً . ثقافات الأمم وشخصياتها ليست قدراً مكتوبا ، ونحن ولله الحمد عندنا موروث من التعبير عن الرفض والإسلام هو تعبير عن الحيوية والفاعلية والإيجابية ولكن هذه الثقافة الفاعلة كانت تذوي ويفرض عليها ستائر من العتمة والمقولات المخملية للنخبة التي تحالفت مع الفساد والاستبداد وانطلقت تعلي الوجه السلبي في كل تراثنا . وكما نؤمن بالقدر فإننا نؤمن بمجاهدته ، ولا نقول أن نظم الحكم الفاسدة هي قدر لابد من قبوله ولكنها قدر لابد من مقاومته ، فنحن ننازع قدر إرادة المتغلبين الفاسدين المجرمين بقدر إرادة الشعوب التي هي من إرادة الله ، فالله " لا يحب الفساد " ، ولا يحب الظلم ولا الظالمين ولا المتفرعنين ، ولكنه يحب العدل ويأمر به " إن الله يأمر بالعدل " ويحب الانتصاف للضعفاء والدفاع عنهم ، وعلماؤنا في علوم العقيدة تحدثوا عن القدر الكوني والقدر الشرعي وقالوا إن القدر الشرعي أي الأمر الذي اراده الله هو المطلوب لمنازعة القدر الكوني الذي وقع بسبب إهمال المسلمين للالتزام بالقدر الشرعي . فمدافعة الحكام الظلمة ومنابذتهم وعدم الطاعة لهم أو إعانتهم حتي بالكتابة لهم أو التبرير أو أي شكل من العون هو من القدر الشرعي وهو جزء من عقيدة المسلم في القدر ، وكما تعلمون فإن المفسدين طوال عهودهم كانوا جبريين أي يحاولون تبرير وجودهم باعتبارهم قدراً مقدورا لا بد من الاستسلام له . لا بل نحن نجتهد في هذه النقطة ونقول : إن الإيمان بالقدر خيره وشره حلوه ومره يفرض علي المسلم منازعة هؤلاء الحكام والثورة عليهم ومنابذتهم شرعيتهم وعدم الاستكانة لظلمهم ، وعلي المسلم الحق " أن ينازع أقدار الحق بالحق للحق " ونحن ندعو الناس إلي منازعة قدر تغلب الحزب الوطني علينا لربع قرن بقدر آخر هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والقيام في وجه الظلم – كما فعلت المستشارة العظيمة " نهي الزيني " والقضاة الذين انضموا إليها ، إن الله يكره فرعون ويكره من يهلك الحرث والنسل ، ويحب الإمام العادل ويدعو الأمة لتناضل من أجل اختيار إمام عادل أي حاكم يعدل بين الناس ويؤثر مصلحتهم علي مصالحه وأسرته والجوقة من حوله . والإسلام يدعو إلي المسئولية الفردية " كل نفس بما كسبت رهينة " فهي مرهونة بما فعلت واختارت وقدرت ، والحرية هي الوجه الآخر للمسئولية في الإسلام ، ولذا نحن نقول انتزاع الحرية أي حق الناس في ممارسة مايرون ويريدون كمسلمين يد الله فوق أيديهم ، ومن هنا نلحظ بشكل لا يمكن فصمه العلاقة الوثيقة بين الفعل الإنساني وبين مرجعيته ، فمن يختار إنما يفعل ذلك بملء إرادته ولكن لأي مقصد وبأي مرجعية ، إما يفعل ذلك لأنه مسلم أو يفعل ذلك لأنه دنيوي ، فالمسلم يمارس حرية مسئولة أي تتجاوز الدنيا للآخرة والدنيوي أو العلماني يمارس حرية دهرية بمعني أن نهايتها الدنيا . علي أية حال ماجري للحزب الوطني هو اكتشاف جديد للشعب المصري من جانبنا كمثقفين وهو اكتشاف جديد من الشعب المصري لطريق جديد للحرية يقوم علي الممارسة المسئولة وعلي منازعة الأقدار القائمة بالأقدار المطلوبة شرعا وعقلا وعلما . لم يكن الاستسلام أو الرضوخ للأمر الواقع أبداً تعبيراً عن الإيمان ، ولكنه تعبير عن الفساد والتقليد والتبرير حتي الكفار برروا كفرهم بقولهم " بل وجدنا آباءنا علي أمة وإنا علي آثارهم مقتدون " . إننا أمام ثقافة جديدة تتشكل وأمام شخصية جديدة تتكون وأمام فهم جديد للعالم وللعلم وللإيمان والعقيدة ولا نظن أن هناك عاقلا اليوم يقول إن ذهاب الناس للتصويت ضد الحزب الوطني في معركة الانتخابات الأخيرة هو أمر محل نظر وبحث لمعرفة قدر موافقته للدين . الشعب يخطو نحو الحرية ، ومصر تبدأ عصراً جديدا هو عصر الحرية ولن تعود عجلات التاريخ إلي الوراء . [email protected]