حب الشعب لحكامه علامة مهمة علي عدل هؤلاء الحكام وقيامهم بالسهر علي شئون شعبهم ، وفي الواقع فإن العلاقة بين الحاكم والمحكوم هي علاقة تقوم علي قبول الشعب لحكامه علي أن يقوموا بما اشترطوه علي أنفسهم لشعوبهم ، وليس هناك حاكم بدون محكومين ، فكما هو الحال في المسرح لايمكن أن يكون هناك ممثلون بدون جمهور أو مشاهدين ، فالمشاهدون هم الذين يعطون للمسرح ولممثليه معني ، وهكذا في مسألة الحكم والسياسة فإن اللاعبين السياسيين لا يمكنهم الاستمرار في تأدية أدوارهم بدون حب الشعب لهم ، لن نقول حب الشعب ولكن نقول قبول الشعب لأدائهم وهذا الذي نسميه في العلوم السياسية والاجتماعية بالشرعية ، أي قبول المحكومين لحكامهم ، وفي مصر لانعرف نظام حكم طوال تاريخ مصر كان مكروها من شعبه كنظام الحكم الحالي ، فكل مصري يقول لك احنا زهقنا .. روحنا طلعت .. لم نعد قادرين علي الحياة .. لابد من التغيير ، وبالأمس جاءني إلي منزلي بعد الفجر صديق كبير في السن فوق الستين قال لي نحن لا يمكن خداعنا ، تعديل المادة 76 والقيود التي وضعت عليها للحصول علي 250 من أعضاء مجلس الشعب والشوري والمجالس المحلية في 14 محافظة لمن يريد منافسة الرئيس هذا كلام فارغ ، وعلي مبارك أن يترك كل سلطاته ويخوض صراعا نزيها علي الرئاسة بدون أي ميزة له من سلطان كأن يبقي رئيساً للبلاد وأن يجند كل سلطات الدولة لدعمه ، لا .. حتي تكون الانتخابات حقيقية لابد من تساوي فرص المرشحين علي انتخابات الرئاسة القادمة ، الراجل قال كلاما حكيما في مجمله لكن المهم فيما قاله هو أن الناس لن تخدع ، خلاص الناس فهمت ولم يعد ممكنا خداعها وهي لا تريد أن تعطي صوتها لمن خذلها وأفقرها وأهانها ولخبط أمورها وحياتها في جميع المجالات بدءاً من التعليم والخصخصة وبيع الشركات وتسريح العمال ومنع التموين عن الناس ورفع ثمن الخبز وتدهور الصحة وعدم وجود الدواء وسرقته ، الناس تريد ممثلين آخرين علي المسرح السياسي ، النظارة والمشاهدين حسوا إن الأداء أونطه وعايزين روح جديدة ، عايزين فاعلين جدد ، عايزين يعطوا رأيهم في اسم الممثلين والفاعلين السياسيين . عايزين يحسوا بالأمل وبأن الحياة لا تزال تستحق الكفاح من أجل البقاء . أزمة نظام مبارك أنه أخذ فرصته بما يكفي وزيادة وهو ركز علي الإصلاح الاقتصادي ، والإصلاح الاقتصادي له فاتورة يدفعها عادة الفقراء وعملية الإصلاح هذه تصاحبها عادة ظهور طبقات مستفيدة وفاسدة ، والناس الآن يريدون إصلاحا سياسيا ، يريدون مشاركة سياسية ، يريدون شفافية ، يريدون أن يعرفوا ماذا جري خلال السنوات الأربع والعشرين الماضية ، ويريدون أن يحاسبوا المسئولين عن الغضب والإحباط والفقر والبطالة والفساد والتطبيع والهدر ، والنظم الاستبدادية تسرع في الإصلاح الاقتصادي ولكنها تموت ولا تقترب من الإصلاح السياسي ، وأظن أن معركة الإصلاح السياسي هي المعركة الحقيقية التي يخوضها المصريون اليوم وهي معركة حياة أو موت بالنسبة لهم وبالعربي الفصيح الناس في بر مصر عايزين نظام سياسي جديد ، زهقوا خلاص من الوجوه التي شاخت والأجساد التي تصلبت والرح التي تعفنت ، كفاية خلاص وإلا فمن وراء ذلك خطر عظيم وأمر كبير أراه يتخلق ولا يمكن الإحاطة به أو إحباطه ، والشعب اليوم يعبر عن غضبه بالمظاهرات وغدا ستكون انفجارات .