بما أن الإنسان لا عقل له ولا إرادة إلا في وجود المجتمع، ولابد من بناء المجتمع على إرادة عاقلة تؤسس لمجتمع العدالة الذي يقوم على فكرة أن العمل مع الآخر( الآخرين) بحرية يعني عقد اتفاق معه يلزم الطرفين. والعقد الاجتماعي وفق هذه الفكرة النووية صك لتأسيس الأسرة كهيئة اجتماعية والدولة كهيئة سياسية، ويلتزم كل عضو في هذه الهيئة بخاصية الشمول وفقد فيها الفرد حريته الوهمية اللامحدودة من أجل حرية منتظمة وأكيدة. وما ينبغي أن يعرف حكامنا اليوم أن المصريين جميعا ولدوا أحرارا متساوين، وهم كغيرهم من شعوب الأرض ولم يلبسوا ثوب طاعة الحاكم إلا وفق عقد اجتماعي يثمن المنفعة العامة للجميع، فإذا أهدرت منفعة العامة لصالح الخاصة أو خاصة الخاصة تحول صك التأسيس إلى خرق بلا مضمون وسقطت الدولة إلى وحل اللاستقرار الخطر القابل للانفجار في أي مكان وفي كل لحظة. وفي نظم الحكم تقوم العلاقة بين الحكام والشعوب( المحكومين ) على أساس عقد اجتماعي يحصل الحاكم بموجبه على طاعة المحكومين لفترة زمنية محددة مقابل التزام السلطة الحاكمة بشروط العقد ومنها درء المفاسد وتحقيق مصالح العامة، فإذا خرج الحاكم والجهاز المساعد له عن موجبات هذا العقد الاجتماعي القائم على التراضي بين الطرفين وجب فسخ العقد فورا لانتفاء الصالح العام. والدولة ليست شعبا أو إقليما أو مجموعة من القوانين والقواعد الملزمة فحسب، بل هي- قبل كل شيء- فكرة اخترعتها الشعوب لتجعل مسألة الطاعة أكثر نبلا، وهي تقوم على أساس منع الجور بين أطراف المعادلة ولا تستند السلطة إلى علاقة القوة ولا إلى سلطة الإكراه والقهر، ودون تحقيق أصل الفكرة ينهار كل شيء. وما جميع مناصب الدولة رفيعة كانت أو وضيعة من رئيس الدولة إلى القاضي وصولا إلى شرطي المرور- إلا أدوات فعالة لضمان تطبيق النظام ( القانون ) الذي يعبر عن إرادة الأمة ويرتضيه المجتمع بكل فئاته لضبط العلاقات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية على أساس يحترم قيم العدل والمساواة، أي أن الجهاز السياسي- وضع أصلا- ليخدم طموحات الشعب ويتغيا أهدافه، فإذا تحول جهاز الدولة ( الشرطة والجيش والمصالح والهيئات) من مركز متجرد للسلطة إلى فئة أو نخبة توظف السلطة للممارسات السيئة( الفساد ) وتتذرع بالوسائل غير القانونية وفقا لميولهم وأهوائهم ومصالحهم فإن سلوك السلطة ينحو حينئذ منحى إجراميا لكون هذه النخبة الحاكمة ليست في الأصل مالكة لسلطتها، بل هى حارس مؤقت لها. وبما أن العقد شريعة المتعاقدين، فإن الإخلال بشروط التعاقد يفسخ العقد الاجتماعي تلقائيا ويسقط شرعية الحاكم وأحقيته في طاعة المجتمع له بموجب العقد. فهل التزم حكامنا- قولا وعملا- بشروط التعاقد أم أنهم افتأتوا على حق الشعب وممتلكاته وأهدروا بنود العقد المبرم الذي أقسم عليه رأس السلطة وأعضاء الحكومة في مطلع فترة الحكم ؟ سيتساءل كثيرون : ألم يرزح الشعب تحت سلطة الجور عدة عقود ؟ نقول بلى وتعالوا بنا نرصد المشهد العام لأهم الاختراقات التي مارسها النظام الحاكم ضد بنود العقد الاجتماعي في عام واحد فقط، وكل منها يوجب فسخ العقد فورا بدون توان. عندما استأثرت السلطة( وهى فئة محدودة ) تحت غطاء الحزب الوطني بإصدار التعديل الدستوري للمادة 76 لصالح فرد أو فئة على حساب المجتمع كله وضد جموع المواطنين، ألا يعد هذا أكبر مبرر لفسخ العقد الاجتماعي بين الحاكم والمحكومين ؟. وعندما يعجز القضاة عن ممارسة دورهم الذي نص عليه الدستور في استقلال تام عن السلطتين التنفيذية والتشريعية، ونري القضاة يتظاهرون لمطالبة السلطة التنفيذية بحقهم في تطبيق القانون وإرساء أسس العدالة،ألا هذا يعني أن واحدا من أهم أعمدة العقد الاجتماعي قد انهارت ووجب فسخ العقد ؟. وعندما يترك الرئيس منصب نائب رئيس الدولة شاغرا لمدة ربع قرن- لغرض في نفس يعقوب- بالمخالفة لنص الدستور، ألا يعني ذلك أن بند المصداقية في العقد قد انتهك، وثبت زيف العقد الاجتماعي تلقائيا ؟ وعندما تتدخل السلطة التنفيذية ممثلة في الشرطة والأمن في الانتخابات التشريعية لصالح طرف من أطراف الصراع السياسي وعلى حساب طرف أو فئة أخرى، ألا يعتبر هذا يعد هذا تمييزا يخل بمبدأ العدالة والمساواة بين الموطنين، ويوجب فسخ العقد ؟ وعندما يتنازل رئيس الدولة عن صلاحياته الدستورية في إدارة شئون البلاد لابنه ويخصه بمهام رسمية وشبه رسمية، ألا يعد هذا تنازلا ممن لا يملك لمن لا يستحق ؟ إن الولاية المخولة لرئيس الدولة ليست أداة هوى، كما أنها ليست امتيازا شخصيا له، ومن ثم فتنازله لابنه أو لغيره باطل بطلان العقد المخترق. وعندما يرفض رئيس الدولة وهو أحد طرفي العقد الاجتماعي مطلب الجماهير في المحافظة على السلم الاجتماعي، ويرفض تعديل التشريع ليتناسب مع التغيرات التاريخية للحفاظ على مكاسب شخصية تمسخ فعالية النظام وعدالته، فإن فسخ العقد الاجتماعي مطلب شعبي. وعندما يتم التعاقد" العقد الاجتماعي" مع السلطة وفق النظام الجمهوري، وتتحايل مؤسسة الرئاسة- بحكم سلطاتها التي تحولت إلى مطلقة -على أجهزة الدولة ومؤسساتها لتأسيس حكم عائلي، ألا يعد هذا انقلابا على كل ثوابت العقد الاجتماعي ويستوجب فسخه ومساءلة المتستفيد ؟. وعندما تسيطر فئة المنتفعين ورجال المال على السلطة التشريعية وتسن من القوانين ما يعظم من مكاسبها السياسية والاقتصادية بالتواطؤ مع السلطة التنفيذية ومؤسسات الحكم، فإن التشريعات والقوانين التي تسنها الأعضاء المطعون في شرعيتهم باطلة قانونا وعقد الشراكة بين السلطة والمجتمع قد أصابه الزيف ووجب فسخه. عندما يصرح السيد وزير الداخلية أنه يتصنت على الأسرار الشخصية للمواطنين، وعلى من يخاف من تجسس السلطة عليه ألا يتكلم،أليس هذا تماد وتجاوز من أحد طرفي السلطة على الطرف الآخر وهو الشعب (صاحب العقد والحل)، ومن ثم يجب إشهار الطلاق البائن مع سلطة لا تحترم الشعب الذي منحها حق الوجود. على الهامش : • الإنسان مخلوق فُطر على انتزاع حريته كل لحظة، وإن لم يفعل فلا يستحق غير الاستعباد، فالحرية تؤخذ ولا تعطى. • لا أظن أن الشعب المصري من السذاجة حتى يصدق من اعتادوا على الكذب. • أما آن للأحزاب الباحثة عن صك الغفران ( الشرعية ) من اللاشرعي، أن تتوقف عن اللعب وفق آلياته ( أظن كفايه ) [email protected]