رئيس جامعة القناة يُكلف مديرين جُدد للعمل بالإدارة العامة لخدمة المجتمع    القضية الفلسطينية على رأس مناقشات اجتماع مجلس أمناء الحوار الوطني    بالاسم ورقم الجلوس.. نتيجة الشهادة الإعدادية في كفر الشيخ    "الحوار الوطني" يطالب بالإفراج عن المحبوسين احتياطيا في أنشطة دعم فلسطين    رئيس الوزراء يشدد على ضرورة تعيين 30 ألف معلم فى المدارس كل عام لسد العجز    حفر 30 بئرًا جوفية وتنفيذ سدَّين لحصاد الأمطار.. تفاصيل لقاء وزير الري سفيرَ تنزانيا بالقاهرة    النواب يحيل 3 اتفاقيات للجان النوعية في بداية الجلسة العامة .. اعرف التفاصيل    وزير النقل يتفقد مواقع العمل بالمشروعات التنموية والخدمية بميناء الدخيلة    تنفيذ 5 دورات بمركز تدريب الشرقية خلال مايو الماضي    التموين: صرف دقيق المستودعات من المطاحن ب 2800 جنيه للطن    توريد 125 طن قمح لمطحن الطارق بجنوب سيناء    جيش الاحتلال يرتكب 4 مجازر في قطاع غزة خلال 24 ساعة    في زيارة أخوية.. أمير قطر يصل الإمارات    الخارجية الفلسطينية ترحب بدعوى تشيلي ضد إسرائيل أمام محكمة العدل    نادي المقاولون يواصل اختبارات الناشئين 2024    "على مسئوليتي الشخصية".. شوبير يكشف حقيقة منع الزمالك من البطولات الأفريقية    كرة يد - الاتحاد المصري يعلن إذاعة نهائي كأس مصر بين الزمالك وسبورتنج    فتح باب التقديم لرياض الأطفال في القاهرة للعام الجديد    ضبط 15 شيكارة دقيق مدعم قبل بيعها بالسوق السوداء بالإسماعيلية    حريق في شقة الفنانة سمية الألفي.. وإصابتها باختناق شديد    عيد الأضحى.. موعد أطول إجازة متصلة للموظفين في شهر يونيو 2024    قرار من المحكمة ضد إنجي حمادة وكروان مشاكل بسبب "فيديو المطبخ"    رئيس بعثة الحج الرسمية: بدء تفويج حجاج القرعة من المدينة المنورة إلى مكة المكرمة    قيادات «المتحدة» ونجوم الفن ورجال الدولة في احتفالية العرض الخاص من سلسلة «أم الدنيا 2»    اليوم.. جمعية الفيلم تعرض فيلم بيت الروبي وتحتفل بمئوية الفنانة سامية جمال    شاهد، برومو تشويقي جديد لمسلسل الوصفة السحرية    نسرين طافش تكشف حقيقة طلبها "أسد" ببث مباشر على "تيك توك"    ما حكم من أحرم بالحج ثم مات بعد الوقوف بعرفة؟.. «المفتي» يجيب    توقيع الكشف الطبي على 1314 حالة خلال قافلة طبية بملوي في المنيا    تحرير 139 مخالفة للمحلات التى لم تلتزم بقرار الغلق خلال 24 ساعة    طريقة عمل الفطير المشلتت الفلاحي، الوصفة الأصلية    213 قرار علاج على نفقة الدولة و27 زراعة نخاع.. جهود اللجنة الطبية والاستغاثات خلال مايو 2024    السكرتير المساعد لبني سويف يناقش إجراءات تعزيز منظومة الصرف بمنطقة كوم أبوراضي الصناعية    غرفة عمليات «طيبة التكنولوجية»: امتحانات نهاية العام دون شكاوى من الطلاب    أحمد حلمي يطالب بصناعة عمل فني يفضح الاحتلال الإسرائيلي: علينا تحمل مسئولية تقديم الحقيقة للعالم    وزيرا خارجية المغرب وكوريا يبحثان تعزيز علاقات التعاون الاقتصادية والتجارية    رسمياً.. منحة 500 جنيه بمناسبة عيد الأضحى لهذه الفئات (التفاصيل والموعد)    مجلس الزمالك يسابق الزمن لتجهيز مستحقات الفريق.. ومفاجأة بخصوص جوميز (خاص)    قرار جديد من محكمة النقض بشأن قضية «شهيدة الشرف»    وزيرة التخطيط ل"النواب": الأزمات المتتالية خلقت وضعًا معقدًا.. ولابد من «توازنات»    سيناتور أمريكي: نتنياهو «مجرم حرب» لا يجب دعوته للكونجرس    طبيب قلب يقدم نصائح للوقاية من المضاعفات الصحية الناتجة عن حرارة الصيف (فيديو)    عكس الاتجاه.. هل يصلح متحف الهولوكوست ما أفسدته دولة الاحتلال؟!    جواز ذبح الأضحية للمصريين المقيمين بالخارج: التفاصيل والأولويات    د. على جمعة عضو هيئة كبار العلماء يجيب عن أشهر أسئلة الحج: التخلف من العمرة للحج مخالفة لا تتفق معها العبادة.. ويحقق أذى المسلمين فى الحج    وسائل إعلام لبنانية: شهيدان مدنيان في غارة إسرائيلية على بلدة حولا    محافظ مطروح يبحث مع وفد جامعة الأزهر جهود إنشاء فرع بالمحافظة    ضبط 9 ملايين جنيه في قضايا اتجار بالعملات الأجنبية خلال 24 ساعة    الشرقية تحتفل بذكرى دخول العائلة المقدسة ومباركتها لأرض مصر في منطقة آثار تل بسطا    الاتحاد السكندري يخشى مفاجآت كأس مصر أمام أبو قير للأسمدة    متحدث الزمالك: شيكابالا أسطورة الزملكاوية.. وهناك لاعب يهاجمه في البرامج أكثر مما يلعب    ل برج الجوزاء والعقرب والسرطان.. من أكثرهم تعاسة في الزواج 2024؟    تداول 15 ألف طن و736 شاحنة بضائع عامة ومتنوعة بموانئ البحر الأحمر    دعاء دخول مكة المكرمة.. اللهم أَمِّني من عذابك يوم تبعث عبادك    عاجل بالأسماء.. شلبي يكشف رحيل 5 لاعبين من الأهلي    استقرار سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الأحد 2 يونيو 2024    «خبرة كبيرة جدًا».. عمرو السولية: الأهلي يحتاج التعاقد مع هذا اللاعب    قصواء الخلالى ترد على تصريحات وزير التموين: "محدش بقى عنده بط ووز يأكله عيش"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إذا الثقة انعدمت
نشر في الشروق الجديد يوم 24 - 03 - 2010

سئل الفيلسوف الصينى العظيم يوما عن ألزم اللزوميات بالنسبة لمهام كل حكومة، فأجاب بأن ألزم المهام لكل حكومة تتمثل فى ثلاثة أهداف: كفاية من الطعام للناس ليعيشوا ويقدروا على أداء أعمالهم. وكفاية من الأسلحة ليدافعوا عن بلادهم ضد الأخطار الخارجية. والثقة لدى الناس بحكامهم.
عندئذ سئل كونفوشيوس: فإذا قضت الضرورة وكان لابد من الاستغناء عن أى من هذه الأهداف، فأجاب: الأول الاستغناء عن توفير الأسلحة، فالشعب حين يريد الدفاع عن بلاده لا يعجزه عن ذلك نقص الأسلحة لديه. والثانى الاستغناء عن الطعام، لأن الموت قضاء لا مفر منه، إذا توفر الطعام أو إذا لم يتوفر. أما الأمر الثالث، وهو ثقة الناس بحكامهم، فلا يمكن الاستغناء عنها، إذ لا بقاء للدولة بدونها.
بإمكاننا فى الواقع أن نتصور أن مثل هذه العبارة وردت بصيغة أو بأخرى على ألسنة الحكماء والفلاسفة وعلماء السياسة قبل كونفوشيوس وبعده، وفى كل العصور من حور محب إلى حامورابى وإلى سقراط وأفلاطون وأرسطو، وصولا إلى مكيافيللى وماركس حتى برتراند راسل. إذ يكاد كل واحد من هؤلاء أن يكون قد اقترب من التحذير من فقدان أهل الحكم ثقة العامة من الناس.. الشعب.
لكن ما يميز عبارة كونفوشيوس فى القرن الخامس قبل الميلاد أنها اعتبرت أن فقدان الشعب ثقته بحكامه يعنى نهاية دولتهم.. أى إنه توقع النتيجة السلبية فى حدها الأقصى.
مع ذلك فإن الكتابات الحديثة فى علم السياسة على اختلاف اتجاهاتها تكاد تخلو من تعبير «الثقة» وتبتعد فى معظم الأحوال عن معالجتها. وفى الحالات القليلة التى تعالجها نجدها تربط ربطا عضويا بين الثقة وانعدام الثقة فى الحياة السياسية والاجتماعية. وأكثر ما يلفت النظر أن كتابات المعاصرين فى هذا المجال تعتبر أن «الثقة وانعدام الثقة» يقعان تحت حكم النظرية المسماة نظرية «الصفر الإجمالى». وهى النظرية التى تذهب إلى أن ما يخسره طرف فى مباراة الثقة يكسبه الطرف الذى يواجهه. أى أن ما يخسره الحكام من ثقة المحكومين فى العملية السياسية يكسبه المحكومون فى صورة مزيد من الثقة بالنفس، بمعنى أن ما يضيعه الحكام من ثقة محكوميهم لا يمكن استعادته.
ولقد كانت «الثقة» دائما مصدر حيرة لعلماء السياسة والمشتغلين بالسياسة لسبب بسيط للغاية هو أنها بحكم التعريف دالة على شعور إنسانى بشأن الكيفية التى نتعامل بها مع حرية الآخرين. إنها أحد التعابير التى لا يمكن الاستغناء عنها فى صياغة النظريات السياسية، على الرغم من كونها تعبيرا عن شعور وجدانى لا يمكن صياغته كميا، وهو الميل الأحدث فى مناهج العلوم السياسية والاجتماعية.
الثقة رغم هذا جوهرية لفهم الفعل السياسى ورد الفعل السياسى على السواء. وقد لجأ معظم المفكرين السياسيين ذوى الاتجاه المطلق، وكذلك الحكام من الاتجاه ذاته، إلى التأكيد بأنهم فى حكمهم يستندون إلى ثقة شعبية عميقة ومؤثرة، لأنها مستمدة من حق إلهى. فكانت هذه الثقة عماد سلطتهم السياسية. أما رؤساء الجمهوريات فى النظم الديمقراطية فإنهم يبذلون أقصى جهودهم فى الانتخابات الرئاسية ليكسبوا ثقة الناخبين ليختاروهم حكاما لفترة زمنية محددة ومحدودة.
وإذا ما نحن نظرنا إلى الوضع السائد فى مصر خاصة بعد الحراك السياسى الذى جدد دماء الحياة السياسية فى البلد وطرح موضوع الثقة كما لم يطرح قبلها أمكننا أن نجزم بأن الحكم أو الحكومة قد فقد ثقة الناس، الشعب، العامة، الناخبين، الغالبية الساحقة من المحكومين. وأصبح يتعين فى ضوء هذا الحراك نفسه أن نتساءل إذا كانت الحكومة فى هذا البلد قد فقدت ثقة المحكومين بها إلى الحد الذى يهدد كيان الدولة.. يهدد وجودها، أم إن الحكم لا يزال يستند إلى ثقة يعتبرها ثقة أهم أو أقوى، هى ثقة الأقلية من الناس التى تتمتع بكل الامتيازات التى يوفرها هذا الحكم لمؤيديه. إنه فى هذه الحالة يحصر ذاته فى دائرة حكم الأقلية، خاصة إذا كان لا يمكن الفصل بين هذه الأقلية والفئة الحاكمة.
وعلى أى الأحوال، فإنه فى حالة تفتت أو تآكل الثقة بحكومة ما قد يمر البلد بفترة لا يستطيع فيه المحكومون أن يعلنوا أنهم فقدوا الثقة بحكامهم وأن ثقتهم تذهب إلى بديل إصلاحى أو ثورى أو حتى فوضوى. فترة لا تكون الثقة فيها مع الطرف الحاكم، ولكنها لم تستقر مع طرف بديل.
ولقد مرت مصر بهذه الحالة لفترة ربما يمكن تحديدها بنحو عقدين من الزمان خسرت خلالها النخبة الحاكمة أى تحالف الثروة والسلطة ثقة المحكومين بأغلبيتهم الساحقة دون أن تتمكن هذه الأغلبية من أن تعلن أنها نقلت ثقتها إلى مجموعة بديلة من المشتغلين بالشأن الوطنى. خلال هذه الفترة وبسبب أوضاع دستورية وواقعية معينة تلخصها هيمنة الحكم على وسائل السلطة وأساليبها افتقر المحكومون إلى حزب يولونه الثقة إلى الحد الذى يمكن معه التأكيد بأنه إذا توفرت الشروط الديمقراطية أن ينال الأصوات، أى ينال ثقة الناخبين ويأتى وفقا لآليات معروفة لتسلم السلطة.
لكن ما حدث فى الشهور الأخيرة هو أن الثقة بدأت تأخذ كشعور عام اتجاها محددا.. قد لا يكون بالإمكان أن تقدّر الآن نتائجه العملية لأنه ليس من المؤكد بعد، أن هذه الثقة ستستقر عند هذا الفرد البديل، أو عند ذلك الحزب أو تلك الجماعة. المهم فى الأمر أن مجموعة من المواطنين قد طرحت أسماؤهم أو هم طرحوا بأنفسهم أسماءهم لنيل ثقة الغالبية، بينما لم تعلن النخبة الحاكمة بعد تسليمها بأنها فقدت ثقة الغالبية.
لا يزال الوضع إذن يحمل سمات مرحلة انتقالية، فالنخبة الحاكمة لا تزال تتصور أن بإمكانها استعادة الثقة عن طريق دعايات من نوع «التفكير الجديد» أو عن طريق مكاسب جزئية لبعض الفئات التى لم تنل مكاسب كافية خلال العقدين الأخيرين، مع استمرار أساسيات الحكم كنظام يستند إلى تحالف الثروة والسلطة وعلى التوسع بغير حدود فى سياسة السوق الحرة واعتماد سياسة خارجية تسلم مفاتيح الإستراتيجية الأمنية المصرية للولايات المتحدة.. الأمر الذى يتطلب على الأقل علاقات عادية مع إسرائيل.
وعلى الجانب الآخر، فإن أحزاب المعارضة أظهرت أنها لا تزال تختلف فيما بينها بشأن مرشحى الرئاسة الجدد طالبى الثقة. وقد لا تستطيع، فى اللحظة المناسبة، أى قبل موعد انتخابات الرئاسة (فى نوفمبر 2011) أن تتفق على منح الثقة لمرشح بعينه للرئاسة. وقد يؤدى هذا الانقسام إلى تفتت الأصوات المعارضة بين مرشحين متعددين.
هذه سيناريوهات محتملة ستحاول الحكومة تعزيزها للإفادة من نتائجها السلبية.
لكن بالمقابل فإن سيناريو عودة الثقة المفقودة إلى الحكم والحكام هو سيناريو المستحيل.
ليس فقط لأن الحكم منقسم على نفسه، مشتت بين جمعية المنتفعين بالاستمرار وجمعية المنتفعين بالتوريث. ولأن فقدان الثقة بطبيعته يعنى استحالة استعادتها كاملة وقوية، بحيث تفرض استمرار شرعية الحكم.
وبالتالى فإن ما يمكن أن تسفر عنه أحداث الانتخابات الرئاسية فى مثل هذه الظروف سيكون نوعا من استمرار الحكم بقوة القصور الذاتى. يستمر الحكم بدفع من ماضيه وحاضره المتمسك بآليات السلطة.
وهذا معناه إطالة أمد الصراع، وبالتالى إتاحة الفرصة للجماهير لممارسة دورها المباشر بصورة أكثر تأثيرا، بينما تذوى سلطة الحكم الذى يبقى فاقدا الثقة.
هنا تبرز صحة ما قاله كونفوشيوس قبل 26 قرنا من الزمن.. إن النظام الحاكم يفقد وجوده إذا فقد ثقة المحكومين.
لكن هذا لا يعنى أن هذه النتيجة تلقائية ولا تختلف عن قانون «المادة تتمدد بالحرارة». المسألة عمليا أعقد من أن تكون ببساطة المعادلة الكونفوشية. ولعل عنصر الزمن هو الذى يردعنا عن تصور التلقائية فى النتائج. فلا نزال بانتظار أن نعرف الآلية التى يأخذها انهيار نظام فقد ثقة الناس.
هل تكفى الآلية الدستورية فى الحد الأدنى؟ أم أن الوضع سيتطلب آلية الثورة فى الحد الأقصى؟ أم نقول إن ما يحدث سيوافق قانون الوسط بين هذا وذاك.. وهو ما يصعب تحديده من الآن؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.