منذ أكثر من ألفين وخمسمائة عام، سئل الفيلسوف والحكيم الصيني الشهير كونفوشيوس (551-479 ق.م.): ما أول شيء تقوم به إذا حكمت الدولة؟ فأجاب علي الفور "بالتأكيد سوف أقوم بتصحيح اللغة"، وقد اندهش السائل من هذه الإجابة، ومن ثم سئل: لماذا؟ فأجابه كونفوشيوس أن اللغة السائدة ليست صائبة، لأن ما يقال عادة لا يحمل المعني المقصود، وإذا كان ما يقال لا يحمل المعني المقصود، فإننا لن نستطيع القيام بما ينبغي أن نقوم به، وإذا لم نفعل الشيء المطلوب فإن الأخلاق والفنون سوف تفسد أو تتلف، وإذا فسدت الأخلاق والفنون فإن العدالة سوف تضل، وإذا ضلت العدالة فإن الناس سوف يقفون في حالة من الخلط أو التداخل بدون حول ولا قوة، وحينئذ لن يكون هناك تحكم فيما يقال أو يمارس"!! وإذا كنت أعتقد أن ما قاله كونفوشيوس، وما أكد عليه، يعتبر صالحاً حتي الآن، ولا يحتاج إلي تعديل، فإنني أعتقد أيضاً أن كونفوشيوس لو كان بيننا الآن لأضاف إلي إجابته السابقة ملحقاً يكون عنوانه "إصلاح لغة وسائل الإعلام، وتهذيب لغة الخطاب العام".. بالأمس، وفي أثناء تصفحي اليومي للصحف، لفت نظري وجود عدد كبير من الأعمدة والمقالات، التي يفترض أنها لكتاب مستنيرين ومفكرين، التي تحمل لغتها نوعاً من الفجاجة اللفظية، أو لنقل إنها "غير مناسبة" أو "غير ملائمة".. أحد الكتاب، علي سبيل المثال، بدأ مقاله بالقول "يقول السفهاء من الناس" في إشارة إلي فريق من الكتاب والمفكرين الذين يختلفون معه في توصيفه لإحدي المشكلات المجتمعية.. وإذا كان ذلك مقبولاً من الخالق، في خطابه القرآني لفئة من مخلوقاته، فإنه ليس مقبولاً من كاتب أن يصف به زملاءه وأقرانه.. واستخدم الكاتب تعبيرات أخري مثل "الجهلاء"، والمغيبون، وغيرها. وفي مقال آخر لكاتب كبير، أعتز بكتاباته العلمية والأدبية، أشار إلي كاتبين آخرين بشيء من الهمز واللمز، واستخدم اسميهما وتشابه هذه الأسماء مع أسماء بعض الحيوانات، في التعريض بهما، وفي النيل من شأنهما، لمجرد اختلافهما معه في وجهات النظر!! مقال آخر، بدأه صاحبه بالإشارة إلي "قلة عقل" زميل آخر، وعدم قدرته علي الحكم السليم.. وهكذا.. وأكاد أزعم أن "تردي لغة الخطاب العام" أصبح ظاهرة في مجتمعنا، وليس في وسائل الإعلام فحسب، وإنما في منتديات ومجالس يفترض أنها خلقت للتنظيم، وأنشأت للضبط.. ناهيك عن اللغة المستخدمة في السينما، وفي كثير من الأغاني الحالية. مطلوب، أيها السادة، وقفة مجتمعية، تحمي المجتمع من أضرار فساد لغة الخطاب العام، وتعيد الأمور إلي نصابها.. وإلا سيحدث ما سبق أن أشار إليه كونفوشيوس، ولو بعد حين .