كمال حبيب دعيت لتقديم ورقة بعنوان " تحديات انقسام وتشرذم البنية الاجتماعية " طبعا في الحالة المصرية وذلك ضمن ندوة آفاق الإصلاح السياسي في مصر والقوي الدافعة له " ، وقد عقد الندوة مركز بن رشد " الذي يديره صديقي وزميل الدراسة الدكتور أحمد ثابت . كان معي علي المنصة الدكتور" محمد صفار " وكان زميلاً لي في تمهيدي الدكتوراه بكلية الاقتصاد عام 1996 م ولكنه أنجز أطروحته عن " النظرية السياسية عند سيد قطب " في الجامعات الألمانية ، والأطروحة التي قدمتها هي أن الشخصية المصرية بطبيعتها لم تعتد المشاركة في العملية السياسية باعتبارها شأن النخبة والحكام ، فالحكم المركزي جعل الدولة تقوم بقضايا السياسة الأمن والحراسة وتنظيم المياه والعلاقات الاجتماعية بينما المصري كان يهتم بشئونه الخاصة . والنظام الفرعوني " كان في أحد تعبيراته تجليا للعلاقة التي تقوم علي الاستبداد والتأله بين الحاكم والمحكوم ، والظن أن الشخصية المصرية التي توافد عليها دول وحكومات جعلها تستوعب كل هذه التقلبات وتطبعها بطابعها المصري الذي لم يعط للشخصية المصرية طابعها الواضح كما هو الحال في شخصيات أخري مثل الأفغان والألمان والأتراك . الطابع القومي للشخصية المصرية غائم ، ومن ثم لدينا فعلا مشكلة في الثقافة السياسية والبني الاجتماعية وطبيعة الشخصية متصلة بفكرة عدم الاهتمام بالشأن العام وتركه للحكومة والدولة تديره كما تشاء ، كما أن الطبيعة القدرية للشعب المصري جعلته يذهب لمقولة " كما تكونوا يولي عليكم " وأن التغيير هو شأن الأقدار وليس الإنسان . واتخذ الاحتجاج والرفض عند المصريين في العادة طابع انسحابيا أو الشكاية للأولياء والصالحين كما في الدراسة الرائعة لشيخ علماء الاجتماع سيد عويس " رسائل إلي ضريح الإمام الشافعي " ولكنه في نهاية القرن التاسع عشر ظهرت لا ئحة إصلاح مرفوعة إلي الخديوي تطالب بمطالب قريبة من مطالب الحركة الوطنية اليوم من مثل تحديد العلاقة بين الحاكم والمحكوم والفصل بين السلطات والمساواة بين المصريين وضمان الحرية الشخصية وحرمة المنازل والاجتماعات والنشر والمطبوعات .. الخ . كان في مصر دائما ثنائية المقاومة والإصلاح أي مقاومة المحتل الأجنبي ورفض التبعية والمطالبة بنظام يحترم الإنسان وحريته وكرامته ، وعادت هذه الثنائية مرة أخري بعد عودة الاحتلال إلي المنطقة بعد حرب الخليج 1990، يمكن المقارنة بين الوضع قبل حركة الضباط الأحرار وبين الوضع الراهن إذ لم تستطع أية قوة أن تستولي علي السلطة وهو ماجعل قبول تدخل الجيش مطلوبا ً من الجماهير في هذا الوقت . وكما أوضحت الورقة التي قدمناها فإنه يمكن مقارنة الوضع الحالي مع الوضع قبل 1952 م ولكن بشكل معكوس ، فقبل الثورة كان الناس يتحدثون عن الحاجة لمستبد عادل وللحاجة لتدخل الجيش ولكن الناس اليوم يرفضون النظم العسكرية وتدخل الجيش في الشئون المدنية ، وكان الناس قبل 1952 قد يئسوا من الديموقراطية وتجربة الأحزاب ولكنهم اليوم يريدون التعددية السياسية ونظاما ديموقراطيا حقيقيا، وكانت القوة المؤهلة قبل الثورة هي الجيش ولكنها اليوم الجماهير ، وقبل الثورة كان الوفد بدا عاجزاً عن التعبير عن مطالب الجماهير وظهرت حركات وقوي اجتماعية من خارج النظام ولكننا اليوم أمام قوة من خارج النظام تسعي للدخول فيه واقتحامه والتعبير عن نفسها من داخله . الجماهير دائما كانت تستبعد من الصراع السياسي والاجتماعي منذ محمد علي وحتي ثورة يوليو التي حرصت علي دعوة الجماهير إلي السكون والهدوء ، ونحن نعتقد أن هناك فراغ كبير واستقطابا ً مهولا الجماهير هي القادرة علي أن تملأه وتنشأ مانطلق عليه" التيار الرئيسي " الذي يوجد حالة اتفاق عام تقوم علي التوافق والتراضي وليس الاستقطاب والعنف . نحن دعونا في ورقتنا إلي ضرورة وجود حركة اجتماعية تعبر عن التيار الرئيسي في المجتمع ويكون لها مرجعية ذات طابع حضاري لا يستبعد الدين أبداً ويجعل أدواته تعتمد بشكل أساسي علي النضال السلمي بعيداً عن العنف . هناك فرصة سياسية مهمة في مصر اليوم وهي بحاجة إلي استثمارها وخوض النضال من أجل استثمارها وذلك عبر أوسع انخراط ممكن للجماهير في النضال السلمي من أجل تغيير حقيقي مبني علي العلم والعقل ضمن مرجعية دينية لا تستبعد الإنساني ولا الحضاري أبدا. [email protected]