في أول اختبار لصحوة الشعب المصري بعد ثورة52 يناير, جاء الاستفتاء علي التعديلات الدستورية, مؤكدا لأمر واحد وكاشفا علي ان الناس تغيرت . وأن الشعب المصري واع وليس في حاجة الي من يعطيه الدرس, شعب أثبت أنه أكبر من كل هؤلاء الذين يزعمون الوصاية عليه أو الحديث باسمه أو الوكالة نيابة عنه, شعب أثبت حضوره في سجل التاريخ, شعب قدم للانسانية كلها واحدة من أعظم الثورات في سبيل الحرية والديمقراطية, ثورة سلمية بيضاء نظيفة أسقطت كل الرءوس الظالمة والفاسدة والمستغلة. جاء الاستفتاء يعلن بكل قوة ووضوح نجاح الثورة, بالمشاركة غير المسبوقة فيه وبالطوابير الممتدة لآلاف الأمتار أمام لجان الاستفتاء, في ظل وجود جميع القوي والتيارات. اصطف المواطنون منذ الصباح الباكر في طوابير طويلة وتنوعت فئاتهم بين فقراء وأغنياء, مثقفين ومن عامة الشعب, حرفيين وموظفين وأرباب بيوت ومعاشات.. خليط متنوع من كل فئات الشعب جاء في مظاهرة حب وارتياح, وسجل المشهد العام للاستفتاء في جميع محافظات مصر علاقات فارقة أولها غياب الحشود الأمنية أمام اللجان وعدم تسجيل أي واقعة اشتباك أو بلطجة, واختفاء ظواهر التصويت القسري الموجه, واختفاء الرشاوي الانتخابية, وسقوط الخوف من التزوير, وسقوط لعبة تصويت الأموات لان التصويت جاء لأول مرة ببطاقة الرقم القومي, وسقوط نظرية النتائج المعدة سلفا. وعلي الرغم من أن11 فبراير هو التاريخ المعلن لسقوط النظام السابق فإن91 مارس يوم الاستفتاء قد شهد استخراج شهادة الوفاة الرسمية له, بخروج جميع المصريين للمرة الأولي منذ ثورة يوليو2591 للاحتفال بالخطوة الأولي لوطن ديمقراطي حر, خرجوا من بيوتهم في فرحة ولهفة ليقفوا أمام34 ألفا و95 لجنة فرعية من لجان الاستفتاء في جميع المحافظات, وهب الشعب ليقول كلمته لأول مرة في مستقبل بلاده تحت اشراف61 ألف قاض, وجاءت نتيجة الاستفتاء التي أعلنها المستشار الدكتور محمد أحمد عطية رئيس اللجنة القضائية العليا المشرفة علي الاستفتاء, ان2.77% ممن شاركوا في الاستفتاء وافقوا علي التعديلات الدستورية التي جري التصويت عليها, وأن8.22% لم يوافقوا عليها, وأن جملة من أدلوا بأصواتهم في الاستفتاء81 مليون مواطن منهم41 مليونا وافقوا علي التعديلات في مقابل قرابة4 ملايين صوتوا برفض هذه التعديلات, وقال إن إجمالي من لهم حق الاستفتاء يبلغ54 مليون شخص بينما كانت نسبة الحضور81 مليونا و735 ألفا و459 شخصا بنسبة حضور91.14%. ولقد آمنت دون أي شك بعد الاقبال غير المسبوق في أول استفتاء بعد ثورة25يناير, أن مصر في ثورة وأن ثورة52 يناير حقيقة لازيف فيها, وأن أي محاولات لثورة مضادة ستفشل لا محالة, وأن الشعب المصري نهض من كبوته وانطلق من القمقم ليحمي ثورته, وأن الشعب بكل طوائفه وفئاته مسلمين ومسيحيين شبابه وشيوخه ونساءه ورجاله يلبون نداء الثورة, نداء الحق, نداء الواجب, دون أن يحركهم أحد أو يدفعهم صاحب مصلحة أو يستأجرهم تاجر من تجار السلطة. لم أر في حياتي التي امتدت الي الخامسة والسبعين عاما, شاركت خلالها في كل الانتخابات والاستفتاءات السابقة, لم أر ما رأيته يوم السبت91 مارس, رأيت الفرحة في الطوابير تعم كل الوجوه, وكأننا في موكب عرس, الناس حريصة علي المشاركة برغم طول الانتظار وحرارة الجو, الكل يريد أن يؤكد أنه مصري وأنه مع الثورة وحريص علي نجاحها, رأيت كل أطياف الشعب فقراءه وأغنياءه, مسلميه وأقباطه تقف في الطوابير دون قلق أو ملل أو استكبار, أحسست أنني في دولة أخري غير الدولة التي قضيت فيها عمري, وأحسست أن الشعب الذي عشت وسطه طوال هذا العمر, شعب آخر.. شعب قام من النوم والرقاد والسلبية, وهب ثائرا واعيا ملبيا نداء المجلس الأعلي للقوات المسلحة ليدلي برأيه ولا يترك لأحد أن ينوب عنه أو يمتلك زمام ارادته. لقد قال الشعب نعم للمشاركة, نعم لصناعة المستقبل, نعم لثورة52 يناير, نعم للحرية, نعم للديمقراطية.. نعم للعدالة الاجتماعية, نعم للتعديلات الدستورية والانتخابات البرلمانية والرئاسية السليمة والحياة والتعددية الحزبية, نعم لكل ما يوصلنا الي الديمقراطية السليمة وكل ما يقودنا الي النزاهة والشفافية ويوصلنا الي بر الأمان. لقد أثبت شعبنا أنه واع وليس في حاجة الي من يعطيه الدرس.. شعب اثبت أنه أكبر من كل هؤلاء الذين يزعمون الوصاية عليه أو الحديث باسمه و الوكالة نيابة عنه, شعب أثبت حضوره في سجل التاريخ وقدم للإنسانية واحدة من أعظم الثورات في سبيل الحرية والديمقراطية, سقطت أمامه كل الحواجز وسقط الخوف وخرجت الجماهير بارادتها الحرة الواعية الي صناديق الاقتراع, خرجوا بدون جحافل الأمن المركزي التي ترهب الناس أو البلطجية علي أبواب اللجان أو حزب حاكم يقود أو يستغل أو يؤثر, كل الحواجز سقطت والشفافية الكاملة أصبحت سيدة الموقف والشعب وحده هو صاحب الكلمة, والشارع هو الذي يسيطر والمواطن وحده هو الذي يقرر, والحرية هي الهواء الذي يتنفسه الجميع. ولقد بدأت العجلة تدور.. وأتمت اللجنة المختصة بالتعديلات الدستورية والقوانين المرتبطة بها أعمالها وانتهت من إعداد خمسة مشروعات مراسيم بقوانين لتعديل قوانين تنظيم مباشرة الحقوق السياسية, وتنظيم الانتخابات الرئاسية وقانون مجلس الشعب وقانون مجلس الشوري, وقانون نظام الاحزاب السياسية.