لاشك ان من ضمن ما يلفت نظر المواطن المصري حين يزور اي مدينة أوروبية هو كيف ان بعض تلك المدن تهطل عليها الأمطار بصفة شبه يومية الا انه لا يري أي تجمعات للمياه في الشوارع ولا طين ولا تعطيل للمواصلات ولا صعق ولا كوارث انسانية ولا ازمة من اي نوع فالحياة تسير بكل يسر. كل الدول الاوروبية والكثير من الدول العربية قد انتهت منذ عقود طويلة من حل مشكلة تصريف مياه الأمطار والسيول إلا عندنا في مصر فالمسئولون لا يريدون مواكبة الدول المتقدمة في إنشاء بنية تحتية متطورة وذكية. ان الدول الأوروبية تتغلب علي أزمة هطول الأمطار من خلال شبكات لتصريف مياه الامطار وبناء الطرق بشكل مائل بحيث تكون مرتفعة في المنتصف ومنخفضة علي الجانبين وينتشر علي جانبي الطرق وبمحاذاة الرصيف مجموعة من المصارف يتم تصريف مياه الأمطار من خلالها اول بأول. لقد صدمتنا حالة الفشل الحكومي التي شاهدناها في التعامل مع ازمة غرق شوارع الإسكندرية عقب سقوط الأمطار الغزيرة يوم الاحد الماضي فقد ظهر جليا ان الإسكندرية ليست مستعدة للتعامل مع تداعيات تغير المناخ في العقدين الاخيرين وما يرافق ذلك من تغير في أنماط سقوط الامطار وارتفاع مستوي البحر وزيادة القوة التدميرية للمياه من خلال ظواهر طبيعية كالعواصف والأعاصير. لقد غرقت شوارع الاسكندرية بمياه الأمطار وارتفع منسوب المياه ليغطي السيارات وتوفي 6 اشخاص بعضهم مات نتيجة سقوط كابل كهرباء الترام اثناء سيرهم في الشارع ومنهم من غرق في بالوعات الصرف الصحي التي بلا غطاء في ظل حاله من التخبط والعشوائية وسوء التعامل مع المشكلة من قبل المسؤولين في مواجهة الازمة بل في ظل غياب تام لمنظومة إدارة الازمات وقد كشفت هذه الازمة للجميع مدي ضعف وانهيار البنية التحتية لعروس البحر المتوسط. وقد وصلتني تعليقات كثيرة علي تغريدة لي علي موقع التواصل تويتر عن ازمة غرق شوارع الإسكندرية وقد فوجئت بان معظم التعليقات كلها هجوم وتطاول علي محافظ الاسكندرية السابق هاني المسيري وتحمله مسؤولية ما حدث وهو ما اعارضه بشدة خاصة انه قد قوبل بهجوم غير مسبوق وتم اثارة قصص شخصية منذ اليوم الأول لتوليه منصبه. فالرجل قد طلب زيادة الاعتمادات لمعالجة القصور في الاستعدادات قبل حلول النوات ولكن رفض طلبه.و في تغريدة اخري طلبت من الشباب ان يشارك ويتكاتف وينزل ليساعد بدل من الولولة والقاء الاتهامات فالأولوية لجهود الإنقاذ وتقديم الاعانة والغوث للمنكوبين وتأتي المحاسبة وتحديد المسؤول عن تلك الازمة لاحقا. ان ازمة غرق الاسكندرية في مياه الامطار لا يجب ان يتحمل مسؤوليتها المحافظ وحده وقد كنت ضد استقالة هاني المسيري فالمسؤولية في رأيي تقع كاملة علي محافظي الإسكندرية السابقين وعلي الدولة وحكوماتها المتعاقبة التي لم تأخذ أي اجراء للاستعداد للتعامل مع التغيرات المناخية المتوقعة ومواجهتها وتقليل اخطارها بل تركت الناس يتكيفون مع التغيرات المناخية بالفطرة وبجهود فردية واستمر اهمال تطوير شبكة الصرف الصحي والبنية التحتية واستمر اسناد صيانة الطرق واعمال الاسفلت إلي مقاولين لا دراية لهم ولا اكتراث بأهمية المعايير الدولية التي يجب اتباعها في انشاء الطرق الساحلية وضرورة وجود بالوعات صرف للمياه علي جانبي الطرق وصيانتها دوريا لضمان عدم انسدادها إلي ان وقعت الواقعة وانهارت شبكات الصرف وعجزت عن التعامل مع الأمطار الغزيرة وفضحت هشاشة وضعف استعداد وإمكانيات المحافظة في التعامل مع هذه الكارثة التي استوجبت نزول الجيش بمعداته لشفط المياه وتأمين المرافق من اخطار ارتفاع منسوب المياه. فلنبدأ منذ الان في وضع تصور لمنع تكرار مثل هذه الكوارث مستقبلا خاصة وان التغيير المناخي ظاهرة عالمية لن تفلت منها أي بلد في كل قارات العالم من أمريكا إلي اسيا.