ام كلثوم مع محمود الشريف فى لقطة تذكارية سألت روحي عدة مرات.. ماسر المدينة التي لا تتوقف عن تفريخ المبدعين في كل المجالات.. ماسر الإسكندرية؟ هل السبب هو ذلك التمازج الرهيب بين مختلف الثقافات الفنية الموجودة فيها؟ هل لوجود عدد كبير من الجاليات والجنسيات المختلفة.. يونانيون ولهم مطاعمهم والحانات الصغيرة التي تشع بالموسيقي اليونانية الجميلة طوال الليل والنهار.. شوام وأرمن وايطاليون وبحارة زائرون من كل جنسيات العالم والذين يأتون برقصهم وغنائهم وثقافتهم الفنية!! ربما يكون هذا التمازج هو الذي جعل الاسكندرية مرتعاً خصباً لموسيقي جميلة تستلهم السحر من البحر ومن وراء البحر!! والاسكندرية هي التي انتجت عباقرة كبار في الموسيقي والغناء.. سلامة حجازي كامل الخلعي سيد درويش كمال الطويل وعملاق آخر يعتبر أحد أكبر أساتذة التلحين ممن أثروا الحركة الموسيقية والغنائية والفنية في أواسط القرن العشرين أقصد العملاق محمود الشريف الذي ولد في 02 أبريل 2191 في حي باكوس بالإسكندرية وهو نفس الحي الذي ولد فيه عبقري الفن الاذاعي بابا شاور..!! وتعلق الطفل محمود الشريف بالموسيقي في سن مبكرة فوالده الذي كان يعمل شيخاً في مسجد العجمي كان من عشاق أغاني سيد درويش وأخوه الأكبر يعمل موسيقياً بأوركسترا القوات البحرية وبدأ الطفل محمود يتعلم العزف علي العود علي يد العازف محمود فخري ويعزف ويغني في السهرات الخاصة ثم انضم الي بعض الفرق المتجولة مثل فرقة فوزي منيب وفوزي الجزايرلي وأحمد المسيري حيث اشتهر كمطرب بصوته القوي لدرجة أن أصحاب الفرق الخاصة كانوا يقدمونه علي أنه محمود راديو! وكبر طموح محمود الشريف وأحس من داخله ان الاسكندرية لن تشبع طموح شخص مثله وانه لابد أن يرحل للقاهرة.. وفي القاهرة التحق بفرقة بديعة مصابني لتكتمل تجربته الفنية كمغن وملحن وذلك من خلال احتكاكه وتعامله مع بقية كبار المطربين والملحنين من زملائه في أكاديمية بديعة مصابني أمثال فريد الأطرش محمد فوزي ابراهيم حمودة محمد عبدالمطلب عبدالغني السيد وقدم محمود الشريف اللحن الرائع »بتسأليني باحبك ليه.. سؤال غريب مجاوبش عليه« لمحمد عبدالمطلب.. وهي الأغنية التي أعجبت الموسيقار محمد عبدالوهاب وقال عنها »انها اسلوب جديد في التلحين« وكانت هذه الأغنية السبب في بداية صداقة بورصته الموسيقيين والملحنين الكبار!!. وفي عام 2491 بدأ كروان الاذاعة محمد فتحي في تقديم الصور الغنائية في الاذاعة المصرية وكانت البداية »بالوموا« التي غني فيها محمود الشريف مع سعاد مكاوي ليستمر نجاحه كمغن وملحن في عدد كبير من الصور الغنائية الاذاعية مثل »اذار.. عذراء الربيع«، »الراعي الأسمر«، »عوف الأصيل«، »قسم وأرزاق أو السلطانية« والتي غني فيها رائعته: »الدنيا أرزاق.. قسمها الخلاق.. سبحانه الرازق«. ونجح واشتهر محمود الشريف وتهافت عليه المنتجون والمخرجون في السينما حتي أصبح أهم وأشهر ملحن لأفلام السينما المصرية في الأربعينيات والخمسينيات »مصنع الزوجات غروب طيش الشباب بائعة الخبز أنا بنت ناس اليتمتين موعد مع الحياة الملاك الظلام أنا وحدي الحياة الحب«. وفي عام 6491 تم انتخاب أم كلثوم نقيبة للموسيقيين ومحمود الشريف سكرتيرا عاما للنقابة وبحكم عملهما معاً نشأت قصة حب سريعة بينهما وأعجبت أم كلثوم بجدعنة ورجولة الملحن والملاكم الشاب محمود الشريف فتم زواجهما سراً الذي سبب زوبعة كبيرة من المعارضة لهذا الزواج من »لوبي« قوي من أنصار »ثومة« سواء في الصحافة أو في القصر الملكي حتي وصل إلي تهديد محمود الشريف بالقتل وانتهي الزواج الذي لم يتم إلا أياماً معدودة بالطلاق بأمر وقرار ملكي واكتفي الشريف بزوجته المريضة شقيقة زوجة صديقه محمد عبدالمطلب والذي نال أكبر عدد من أجمل ألحان الشريف »ودع هواك السبت فات رمضان جانا بتسأليني بحبك ليه يا أهل المحبة يا حاسدين الناس.. الخ«. وعندما قدمت برنامج »هذا المساء« سجلت حلقة مع أكرام محمود الشريف ابنته التي تحتفظ بوثيقة زواج والدها من أم كلثوم وقالت لي أن آخر حديث صحفي لوالدها قبل وفاته عام 0991 كان مع الكاتب الصحفي الشاب في ذلك الوقت الأستاذ مجدي عبدالعزيز والذي بهره كرم وحفاوة الموسيقار الكبير به رغم حداثة سنه في الصحافة وقالت لي اكرام أيضاً أن الأستاذ مجدي عبدالعزيز عندما سأل والدها عن زواجه من أم كلثوم رد عليه محمود الشريف قائلاً: »أم كلثوم.. خط أحمر يا أستاذ مجدي ليس للنشر« ولكنه أخبره بالحرب العنيفة التي قوبل بها زواجه من كوكب الشرق وطلب منه عدم نشر هذا الكلام وأضافت اكرام وقد كان الأستاذ مجدي أميناً علي وعده لأبي ولم ينشر ما دار بينهما ولذلك نال احترام وتقدير والدي له!!. وفي عام 3002 تم تكريم محمود الشريف ضمن المكرمين في مهرجان الاسكندرية الدولي للأغنية والذي كنت أقيمه في كل عام في العيد القومي للاسكندرية ليس فقط باعتباره »اسكندراني« ولكن لاعتقادي الشخصي ان محمود الشريف واحد من أعظم وأهم عشرة ملحنين في القرن العشرين وقدم ألحانه لمعظم نجوم الغناء في العالم العربي علي سبيل المثال »يا سيدي أمرك صدفه حلو وكداب عبدالحليم«، »اطلب عنيه اسأل عليه ليلي مراد«، »يا عطارين دلوني أحلام«، »البيض الأمارة وله يا وله عالحلوة والمرة عبدالغني السيد«، »الهوا سوا ليالي العمر معدودة يا حسن يا خولي الجنينة شادية«، »تلات سلامات محمد قنديل«، »القلب ولا العين سعاد محمد«. وقد حاز محمود الشريف علي كثير من الأوسمة والجوائز ولكن سيظل الوسام الأكبر له هو نشيد »الله أكبر« الذي قدمه عام 6591 والذي كان له أثر كبير في نفوس المصريين والعرب وساهم هذا النشيد في تعبئة الجماهير العربية من المحيط الي الخليج أثناء وبعد انتهاء العدوان الثلاثي علي مصر ولن ننسي أبداً أن هذا النشيد كان هو شعار أبطال العبور العظيم ونصر أكتوبر 3791!!. وبناء علي مذكرة مني قدمتها أنا عام 9002 إلي محافظ الاسكندرية في ذلك الوقت اللواء عادل لبيب تم اطلاق اسم محمود الشريف علي أحد شوارع باكوس بالاسكندرية. محمود الشريف ترك رصيداً فنياً هائلاً وإلي جانب عشقي لفنه زاد احترامي لشخصه ولرجولته عندما تذكرت ما قاله في آخر حديث صحفي أجراه معه ناقدنا الفني الكبير الأستاذ مجدي عبدالعزيز عندما سأله عن حقيقة زواجه من أم كلثوم فأجابه.. أم كلثوم خط أحمر!!. محمود الشريف قامة فنية وانسانية كبيرة وستظل عالية إلي الأبد!!.