60 يوما أو تحديداً1440 ساعة تفصلنا عن موعد جلوس الرئيس الجديد علي مقعده وتشكيل الحكومة الجديدة.. وبحساب طبيعة البشر من ضرورات الحياة من راحة وبدون اجازات.. يتبقي لنا ما يقل عن ألف ساعة.. فماذا تستطيع أي حكومة جديدة إنجازه أو انقاذه خلال الألف ساعة، إذا افترضنا أن تشكيلها سوف يعلن صباح غد.. وتؤدي القسم ظهرا.. وتبدأ عملها في المساء. الدكتور سعد الكتاتني رئيس مجلس الشعب يعي جيدا ان أي حكومة سواء كانت حكومة الجنزوري أو غيرها لا تستطيع أن تفعل شيئا في ظل الظروف الراهنة غير قدرتها علي تسيير الحياة اليومية للناس والحفاظ علي أمنها - وذلك انجاز في حد ذاته - وبدء استعدادها للانتخابات الرئاسية إذا سارت الأمور حسبما هو مقرر دون مفاجآت، قد تكون سارة للبعض وغير ذلك لآخرين.. ولكننا ندعو الله أن تكون لمصلحة البلد..؟! ورغم ذلك وضع الدكتور الكتاتني في أول حوار مع الصحف والفضائيات وأختار له قناة الجزيرة ثلاثة بدائل أمام حكومة الدكتور الجنزوري.. إما ان تستقيل وإما يقيلها المجلس العسكري قبل غد، وإما قيام البرلمان بعرض سحب الثقة.. وكما هو واضح ليست بدائل ولكنها خيارات نتيجتها واحدة. حكومة الجنزوري لابد ان ترحل.. وإذا لم تنسحب بهدوء فالعاصفة قادمة.. وللقارئ ان يتخيل الأشكال العديدة للعواصف المفاجئة.. مزيد من المناورات السياسية أو المليونيات والاعتصامات الدائمة قد تعصف بكل شيء وليس الحكومة بمفردها. القضية هنا ليست حكومة متقاعسة عن حل المشاكل أو متكاسلة في أداء عملها أو كما بالغ بعض منتقديها تفتعل المشاكل مثل إلقاء البنزين والسولار في المصارف والصحاري وهو كلام فيه الكثير من ضروب الجنون ومحاولة الحكومة للانتحار وليس انتظار من يقيلها أو يسحب الثقة منها.. ولكن القضية التي يسعي إليها البرلمان ذو الأغلبية الاخوانية والسلفية التخلص من الحكومة بأي شكل أو حجة حتي لو كانت ساهرة علي راحة الناس وتعمل لكي يعيشوا في رغد الحياة وهو ما يجب ان يقوله صراحة المطالبون بإقالة الحكومة.. وأن الأمر بالنسبة لهم مناورات سياسية لتحقيق أكبر المكاسب في أقل وقت ممكن خاصة مع ضبابية الأيام القادمة. والتي ستزداد غيوما إذا ما قضت المحكمة الدستورية بحل البرلمان. ونحن هنا في صراع مع الزمن لجني الثمار وتحقيق المكاسب وترسيخ الوجود بكل أشكاله وقوته. حكومة الدكتور الجنزوري تمضي أيامها داخل رحي صراع السلطة.. بين مطرقة المناورات السياسية لكل مراكز الحكم والقوي السياسية من برلمان ومجلس عسكري وقوي أخري.. وسندان المطالب الحياتية للشعب والكوارث اليومية المتلاحقة كل صباح ومساء. وزاد علي هذا وذاك وجبة الاتهامات الدائمة بالفشل في عملها.. ما يهمنا ليس ان تبقي الحكومة أو ترحل - فهذا آت إن عاجلا أو آجلا - ولكن ان نفهم سيناريوهات الصراع القائم دون تفاهم يومياً بين البرلمان والحكومة.. والذي كانت له آثاره السلبية التي ألقت بظلالها علي كل مظاهر الحياة السياسية في مصر، وبما فيها السباق مع الزمن لإصدار تشريعات بعينها ولخدمة أهداف محددة. في كل مرحلة من مراحل الصراع بين البرلمان والحكومة.. كان لها هدف بعينه ومصلحة ما، وكلما تحقق جانب منه هدأت مناورات إقالة الحكومة.. والخيارات التي حددها الدكتور الكتاتني للتخلص من الحكومة لا تعدو غير انها في سياق المخاوف التي عبر عنها طوال الأيام الماضية بعض رموز جماعة الاخوان المسلمين وحزبها الحرية والعدالة والتيارات الدينية الأخري.. والتي قالوها ما بين المخاوف والتأكيدات ان الانتخابات الرئاسية لن تتم بنزاهة ومهددة بالتزوير والتزييف.. ونسيت لماذا سيتم ذلك مع الانتخابات الرئاسية دون ان يدعي أو يشكك أحد انه حدث مع الانتخابات البرلمانية شعبا وشوري أو استفتاء الإعلان الدستوري. ومهما صدرت من تأكيدات للمجلس العسكري والحكومة بأن الانتخابات القادمة ستتم في شفافية ونزاهة يشهد بها العالم مثل سابقتها، وأنه لا مصلحة لأحد في فوز هذا أو ذاك.. وأن جميع المرشحين وطنيون سيعمل الفائز منهم علي إنقاذ مصر والعبور بها.. وأن المجلس العسكري ليس منحازا لأحد دون آخر.. رغم كل ذلك.. فإن الاخوان وغيرهم من التيارات الدينية مازالوا أسري هذه التخوفات ويحاولون ترسيخها في أذهان الناس.. ولذلك حرصهم علي إقالة حكومة الجنزوري وتشكيل حكومة جديدة ستراعي فيها بالطبع الأغلبية البرلمانية - وهذا حقهم - من الاخوان والسلفيين وغيرهما.. أي ستكون حكومة اخوانية ولو لمدة الألف ساعة لإجراء الانتخابات الرئاسية تحت إشرافها وتكون من اعدادها وإخراجها. وهذه هي الضمانة التي يريدونها لإجراء انتخابات حرة نزيهة نظيفة. ولكن يبقي السؤال الشرعي المطروح: إذا كان هذا هو سعي الاخوان لحكومة الألف ساعة لتبديد مخاوفهم القائمة علي عدم الثقة والتشكيك في تزوير الانتخابات.. أليس من حق القوي الأخري والمواطن العادي أن يبدي نفس الشكوك والتخوفات في ظل حكومتهم؟! صمام الأمان لسلامة الانتخابات، ليس في إقالة حكومة أو بقائها.. ولكنه في الثقة الواجبة والمفقودة ما بين أطراف السلطة الثلاثة - مجلس عسكري وبرلمان وحكومة - ليس من مصلحة أحد تزوير الانتخابات أو إخفاق قوي سياسية علي الساحة لصالح قوي أخري.. احترموا المواطن وأعطوه حقه الأساسي والمطلب الرئيسي للثورة بحريته في التعبير عن نفسه أمام صندوق الاقتراع.. دون وصاية من أحد.. حق مصر علينا اليوم أن تسير في الممارسة الديمقراطية بالطرق الصحيحة، بعيدا عن المناورات والمواءمات.. ودون تخوين واتهامات.. وبلا افتراضات بتزوير من أي طرف إذا شعر أن موقفه ضعيف .. أو ادعاء النزاهة والأمانة إذا وجد أن الأمور تسير حسب هواه ولمصلحته سواء كان أشخاصا أو أحزابا أو تيارات دينية وسياسية. مطالبات إقالة حكومة الجنزوري يتواكب معها بنفس السيناريو عجلة الأعضاء الموقرين بالبرلمان من أمرهم لإصدار القوانين والتعديلات الخاصة بمباشرة الحقوق السياسية.. ما بين العفو والغدر.. سر العجلة، خشية حل البرلمان وضياع فرصة الأغلبية الدينية الساعية لتصفية الحسابات.. دون لحظة تأمل هادئ.. هل ما يحدث يصب في مصلحة الوطن أم لا.. تطور الحياة الديمقراطية أم انتكاستها.. أمام البرلمان حزمة من التشريعات الجديدة وبصرف النظر عن تأييدنا لها أو رفضها نحن نتحدث اليوم عن تخوفات مثلما تتخوف تيارات الاسلام السياسي ان يتم إقصاء النصف الثاني للمجتمع لم تنته بعد تداعيات »قانون عمر«.. لأول مرة في حياة الأمم نجد قانونا محددا بالأشخاص.. وكان من الواجب أن يحددوه بالأسماء.. كيف استبعدوا من التعديل الأخير لقانون مباشرة الحقوق السياسية أعضاء أمانة السياسات التي أفسدت مصر كلها، بينما يحددون أمناء الحزب.. بالطبع لصالح أشخاص بعينهم كانوا أعضاء في هذه الأمانة ويشاركون اليوم في التشريع لاستكمال أهداف الثورة. يا سادة.. المطروح اليوم من تشريعات للعفو والعزل.. تمريرها علي حالها لا يعني غير احلال كل من كانوا مستبعدين تحت أي مسميات أو جرائم أو حتي اتهامات ملفقة، محل كل من كانوا علي الساحة طوال السنوات الماضية، بعضهم كان مجرما وآخرون كانوا وطنيين حتي النخاع.. اتركوا للقضاء كلمته.. أليست هذه العدالة والحق الذي تنشدونه؟ مشروع قانون الغدر يحدد كل من مارس عملا عاما سياسيا أو وظيفيا في مصر منذ 04 عاما.. كل هؤلاء محرومون من ممارسة حقوقهم السياسية وغير السياسية.. وعلي الجانب الآخر مشروع قانون العفو المقدم ينص علي العفو الشامل في الجرائم السياسية ابتداء من 6 أكتوبر 18.. منذ لحظة اغتيال الرئيس السادات.. لماذا ليس 5 اكتوبر او 6 نوفمبر 81 ؟.. لاشيء غير ان نقصي نصف المجتمع بالنصف الآخر.. وباسم القانون دون تفكير في أي تداعيات اجتماعية لطبيعة المجتمع المصري وبلا اعتبارات لحرية أو عدالة.. أو قانون. نحن نريد مصر الجديدة لكل المصريين.. دون ضغائن أو انتقام.. ولابديل إلا بالتمسك بدولة القانون لعامة الناس ولمصلحة الوطن.