بكيت عند سماع خبر وفاته ليس من أجل فقده فقط ولكن من أجل بناته وإحساسي بالفراغ الهائل الذي سوف يتركهن فيه فقد كان أبا حنونا له علاقة خاصة بابنتيه سارة وميّ كان من الصعب أن اكتب.. كنت كالفلاحة التي لاتعرف الكتابة وتعيش الهلع فقط وبعد وقت لملمت نفسي وأمسكت بالقلم لأكتب عن نور الشريف. ما هذه الكمية من الابداع؟ ما هذا التنوع في الشخصيات ما هذه العبقرية التي تجعلنا نعيش كل هذه الشخصيات ونتعاطف معها ونعايشها؟ انه لم يكن يمثل.. ان نور الشريف كان يعيش الشخصية بكل تفاصيلها وارجعوا معي لهذه الأدوار العبقرية.. الرومانسي في حبيبي دائما أمام بوسي فيلم سيطر علي العواطف ودخل القلوب وتعالوا معي لنري شخصية «شحاتة أبوكف» مع سعاد حسني في غريب في بيتي أداء السهل الممتنع والشخصية التي تجعلك تصدقها ولاتتقبل نور الشريف ولكنه يتحول إلي شحاتة أبوكف أما كمال في العار فلايمكن أن تتخيل أن هذا ممثل ولكنه هنا شخصية من لحم ودم شخصية تنسيك الفنان نور الشريف وأذكر حينما حضرت العرض الخاص للفيلم قلت له جملة أعجبته جدا فقد سألته انت رجعت نور امتي؟ وضحك ضحكته التي تخرج من القلب إلي وجهه البشوش وقال لي وحادخل شخصية ثانية بكرة في فيلم جديد. أما عبقريته في فيلم «سواق الأتوبيس» حينما نطق لفظ «يا ولاد الكلب» فقد كانت طبيعية بدرجة تخيلت أنها ليست من النص ولكنه نطقها في اندماجه في الدور. نور الشريف فقير جدا وغني فنيا بشكل لم يحدث لفنان من قبل لأن التنوع في الشخصيات التي أداها في أفلامه أيضا نادرا أن يحدث لفنان غيره. وكنت أحب أن أزوره في موقع العمل «البلاتوه» أثناء التمثيل وكنت اختبئ حتي لا يراني ثم أظهر بعد نهاية المشهد. كان ويصعب عليّ كلمة كان.. شديد العبقرية محبا لفنه يختار أدواره بذكاء رغم تنوعها وعدم ثباته مثل غيره علي الفتي الولهان المحب. نورالشريف كان في موقع التصوير هادئا جدا يعيش مع من حوله في حوارات طبيعية ولايشعر ضيفه أنه متوتر أو شاعر بضيق لوجودأي شخصيات في موقع التصوير فكان يتحدث مع ضيوفه ثم ينصرف عندما يعلن المخرج عن بداية التصوير.. ينصرف بذوق شديد ولا يشعر ضيفه بأي حرج وحينما ينتهي المشهد يعود إلي ضيفه بمنتهي الهدوء ويواصل الحوارات عكس بعض النجوم الذين يشعرون الضيوف أنهم عبء عليهم وأنهم في حرج من أجل الضيف الموجود، لكن نور الشريف كان يلاطف ضيوفه بين المشاهد ويكمل عمله بعبقرية وبساطة غير مسبوقة وقد لاحظت وانا اشاهده في بعض أعماله أنه كان شديد الاهتمام بالنجوم الصغار وأنه يتحدث مع المخرج حول زوايا التصوير ويطلب بنفسه اعطاء فرص لظهور نجم جديد لدرجة أن بعض المخرجين كانوا يرفضون هذا الاسلوب من هذا النجم الذي لن يتكرر. نور الأب أما نور الأب فأنا بكيت عند سماع خبر وفاته ليس من أجل فقده فقط ولكن من أجل بناته وإحساسي بالفراغ الهائل الذي سوف يتركهن فيه فقد كان أبا حنونا له علاقة خاصة بابنتيه سارة وميّ وهما في الواقع لهما أيضا هذه العلاقة الحميمة الشديدة الخصوصية به وقد بكيت لبكاء سارة في سرادق العزاء فقد أحسست بهول افتقادها لوالدها العظيم. صرخت مثل الفلاحة لقد عدت من الاسكندرية لحضور العزاء وكنت مريضة ووجدت نفسي أدخل السرادق واصرخ مثل الفلاحة التي مات شقيقها وجدتني اصرخ وأنطق عبارات لم أكن ارتبها ولكن يبدو أن الحزن ينطق الانسان لقد قلت: كنت انت اللي توديني يانور.. وكلمات كثيرة علمت بعدها أن هذا تراث مصري ليس للفلاحات فقط ولكن مواكب للأحزان ويخرج من القلب عند ضربات الحزن القوية لفقد عزيز ونور الشريف ليس عزيزا فقط ولكنه شخصية شديدة المصرية ملأ الدنيا علينا بكل نماذج المصريين فمن منا لم يره ابنا في فيلم ومن منا لم يره اخا ومن منا لم يره جارا عظيما يثبت وقت الشدة. كانت علاقتي به تختلف عن أي فنان فقد وجدته في احزاني بجانبي فحينما ماتت أمي في التسعينيات كان نور الشريف أول انسان يطرق بابي صباحا وحينما توفي زوجي كان سباقا بتقديم العزاء والوقوف بجانبي ولم يكن هكذا معي فقط بل كان فياضا في عطائه خصوصا وقت الشدة لهذا حينما حضرت المأتم وجدت وجوها من ناس مصرجاءوا يعزون وجاءوا يحضرون مأتم نور الشريف وكأنه مأتم لهم جميعا وقد رأيت سيدة شديدة البساطة تبكي بجانب الصوان فسألتها : - كنت تعرفيه؟ قالت بسرعة: - طبعا ده انا شفت كل أفلامه واتمتعت بتمثيله. وهكذا حزنت مصر كلها فقد فقدت فنانا أعطاها من ذوب نفسه وحرص علي التواصل مع مشاكل مصر من خلال أفلامه بل تواصل مع التاريخ في رائعته ورائعة يوسف شاهين «ابن رشد» جزاه الله عنا كل خير وجعل مثواه الجنة. هذه اليوميات قديمة لم تنشر وكأنها بالأمس .. فالحال كما هو تماما في المنطقة العربية أقلب هذه الأيام في أوراقي التي كتبتها ولم أرسلها للنشر ربما جدت أحداث جعلتني اجدها أهم فتركت ما كتبته ونشرت الأحداث الطازجة واختفي ما كتبته في الأوراق التي تملأ حياتي وكأن عمري قد تحول إلي أوراق سواء بيضاء تنتظر الكتابة أو مملوءة بسطور أملاها عقلي ليدي ولأنني كثيرا ما أسجل أحداثا أو لا بأول واحتفظ بأوراق كثيرة للعودة إليها فلدي الكثير وغرقت في دولابي والأظرف التي تملأه هنا ظرف عليه «اطفال العراق وأطفال غزة ثم لحقه ظرف آخر بأطفال اليمن ثم سوريا» وظرف عليه «هل المسرح في مصر ينهار» وظرف عليه «مصر والعالم» وظرف عليه «عرفات وغموض الوفاة» ووجدت يوميات كاملة عنوانها: «الفزع وادارة الأزمة» وحينما قرأتها وجدت أنها تصلح للنشر حيث تناقش ادارة الازمة وهي من الأمور التي غالبا ما نقابلها إما بالعجز أو بالتخبط. عزيزي القارئ ولتغفر لي لو لم تعجبك الفكرة ولايهتز موقعي عندك وأظل في وجدانك. لو راقت لك المقالة وجل من لايسهو. الفزع وإدارة الأزمة ما الذي يحدث في العالم؟ هل انتقل التآمر من البشر إلي الطبيعة؟ الكارثة تسلم مفاتيحها قبل أن تغلق الأبواب لكارثة جديدة؟ فيضانات.. أعاصير.. زلازل.. والجديد فيضانات الطين تغرق القري ويموت البشر موتا من نوع جديد وكأنما القدر لم يشبعه الموت حرقا وغرقا.. فجاء بالموت طينا..! في الفلبين أعانهم الله!! ومصر لم تغلق دفاتر العبارة وكارثتها ولم يتم التحقيق مع المتسببين في الكارثة بعد.. وتداهمنا انفلونزا الطيور ذلك الوباء المخيف ليس لإهلاكه كثيرا من البشر فهو مازال ينتقل بصعوبة ولابد من وسيط لانتقاله.. ومع أن عدد المصابين في ثلاثة اعوام في العالم كله من البشر لم يتجاوز 169 شخصا في عامين منذ ظهرت أول ثلاث حالات في فيتنام عام 2003 توفي منها 91 شخصا من عدد سكان العالم الذي يزيد علي 5 مليارات إذن النسبة بسيطة ولكن الفزع يفتك بالناس. والفزع ياأحبائي يصيبنا بالشلل فلا نستطيع ادارة الازمة كما حدث تماما في حالة العبارة التي راح ضحيتها الف انسان في ساعات معدودة لأن القائمين علي العبارة انفلت منهم الزمام فلم يديروا الأزمة جيدا وتسببوا في الكارثة بحجمها غير السبوق. اصبحت الانفلونزا مثل البعبع الذي لانقاومه بل نطلقه علي غيرنا.. لقد فوجئ اطباء وطبيبات معهد تيودور بلهارس وهو موجود في منطقة شعبية بين وراق العرب وامبابة فوجئوا صباح الاحد بعشرات من الطيور النافقة والمذبوحة ملقاة في المعهد الذي يحتوي علي معامل بحث ومستشفي وكأنهم يلقون المسئولية علي أي مكان فيه طب!!! الأنفلونزا علي مكتب الوزير وصباح السبت حضرت غرفة العمليات في مكتب وزير الاعلام أنس الفقي وكان مجتمعا برئيس قسم الاخبار عبداللطيف المناوي وصاحب برنامج اختراق عمرو الليثي ومجموعة من المسئولين الذين أعلنوا عن مجموعة من الارقام للرد علي الناس.. ان ما حدث في العبارة سوف يتكرر لأن ادارة الأزمة لم تكن جماعية.. لم نر أحدا في الشارع أي شارع علي صدره شارة وزارة الصحة أو وزارة البيئة أو وزارة الزراعة.. أين الجمعيات الأهلية؟ أين الجمعيات الأهلية ؟ لماذا لم تنزل إلي الشارع وتعلن استعدادها للمشاركة؟.. ان الأزمات تجمع ولاتفرق.. فلتقص سيدات الجمعيات أظافرهن ويمحون «المانيكير» وينزلن إلي الشارع كل الجمعيات بلا استثناء.. لنقل «النجاة للجميع» بدلا من القراءة للجميع.. أو الشفاء للجميع.. أو الانقاذ للجميع.. أي جميع مصر فيها اكثر من عشرين الف جمعية خيرية من الجمعيات الأهلية ترأسها سيدات ورجال كل ما يملكون في قلوبهم حب هذا البلد ولديهم أموال من المعونات والتبرعات فعليهم الاشتراك بأي صورة من الصور.. انها أزمة والفزع لايدير الأزمات ولكن الهدوء والتفكير السليم هو مفتاح إدارة الأزمة. أزمة اقتصادية بالدرجة الأولي والأزمة هنا اقتصادية بالدرجة الأولي ومصر لاتنهار فيها تجارة الدواجن فقط بل ينهار فيها اكبر مصدر من مصادر البروتين لغير القادرين فالسمك نار.. ولاندري لماذا رغم البحرين والبحيرات الخمسة وبحيرة السد العالي العملاقة ونهر النيل العظيم؟.. واللحمة نار أيضا ورغم تأكيد الطب بشكل علمي مدروس أن الدجاج السليم المطهو لا خطر منه: إلا أن الفزع من اجل الدواجن السليمة والتي يمكن وضع علامة لسلامتها عليها هذا الفزع سوف يوصلنا إلي الانيميا وخصوصا الاطفال. 12 مليون جنيه يوميا!! هل تتصورون أي كارثة تصيبنا نتيجة الفزع؟ يفزع الناس من الدواجن كدة علي بعضها مريضة وغير مريضة حتي أن تجارة الدواجن تصل خسارتها إلي 12 مليون جنيه يوميا؟ ان الدواجن طعام الجماهير لأن الكيلو لايزيد علي خمسة جنيهات بينما اللحم يصل إلي أكثر من ثلاثين جنيها ناهيك عن دجاج الفقراء أو هو العظام والأجنحة والرقاب التي تتبقي من تشفية الدجاج ليصبح شرائح وهي تجارة يقبل عليها الفقراء لأنها لاتكلفهم اكثر من جنيهين للكيلو واحيانا جنيها ونصفا!! لهذا لابد من تتبع الشرح الطبي للعودة لأكل الدجاج لأنها سلاح ذو حدين فهي توصلنا لانهيار صحي وانهيار اقتصادي والتليفزيون يستطيع ان يقوم بدوره في شرح هذه الأساليب علي مدار اليوم حتي لا نسلم الناس للفزع فتغرق العبارة الكبري مصر في شبر مية كما يقولون وانا لا أقلل من وباء انفلونزا الطيور ولكن لابد أن نتسم بالهدوء وبدراسة كل جنبات المشكلة. وعلي الدولة أن لا تعمل بأسلوب الجزر.. الاعلام في ناحية والبيئة في ناحية والصحة في ناحية والداخلية في ناحية لأنه مهما قام الاعلام بدوره وأوصل للناس تفاصيل التفاصيل فليس هناك تحرك مادي لنقل جسم الجريمة- الطيور النافقة- بل تركها تلوث البيئة وسرعان ما تنتقل لغيرها انا لا أرفض الفزع ولكن أطلب أن نقنن هذا الفزع وأن ننظمه ونهدئه لأن البداية كانت في القاهرة والجيزة والمنيا وامتدت إلي أربع محافظات أخري والناظر إلي الخريطة يجدها تحاصر مصر كلها من جنوبها إلي شمالها إلي شرقها إلي غربها والخطورة أنها ليست في مكان واحد يمكن محاصرته لهذا فنحن أمام مشكلة لابد من اشراك المحليات فيها وما أدراك ما المحليات والتي استراحت لترعي في ضياعها لتأجيل الانتخابات فداهمتها انفلونزا الطيور وهو امتحان اخر عسير.. نرجو أن لايستغرقنا الفزع حكومة وأهالي عن ادارة الأزمة لقد أعدم مليونان من طيورمصرفطارصواب تجار الدواجن.. وندعو لتسلم مصر رغم الأزمة. لكل شباب وشابات مصر بدون إزعاج فليفكر كل منكم جيدا قبل أن تنزلق العواطف إلي حد التفكير في الزواج العرفي الذي يعقد الدنيا ويسودها ولا يجملها والذي لايكون عائلة سليمة البنيان والذي لايحمي طفلا من المشاكل حتي لو اعترف الأب أو ضمته الأم إلي النموذج الجديد الذي انتشر في مجتمعنا حيث الاباء الجدد والامهات الجدد يحمون ويدافعون ببساطة عن ابناء وبنات بالغين لم يشعروا بالمسئولية نحو الاطفال واصبحوا بجراءة يتهمون المجتمع بعدم الوقوف بجانبهم!! الي كل هؤلاء الذين لا يفهمون معني تحرر الانسان امرأة كانت أو رجلا.. ان التحرر معناه النظرة والتصرف بعقل وبحكمة نحو الجيل القادم ونحو انفسكم واحترامكم لأجسادكم ،لستم ضحايا ولكنكم ساهمتهم باختراقكم الاعراف والتقاليد والدين في ميلاد ضحايا لن يمسح الاعتراف بهم عقودا جديدة ومشاكل سوف تحاصرهم مدي الحياة وأغلق الملف في هذا الموضوع.. اللهم قد بلغت اللهم فاشهد.