عندما ذهبنا كمجموعة من جبهة الإبداع لمقابلة إبراهيم محلب لنتكلم معه حول مشكلة الثقافة وآرائنا في أداء وزير الثقافة. كان رأيي قلته في اجتماع تمهيدي عقدناه في ضيافة وحيد حامد. في مجلسه بفندق يطل علي النيل أن شخصنة الأمور في مصر تبعدنا عن القضايا العامة. يومها قلت أن اختصار ما يجري في حياتنا في هذا الشخص أو ذاك. يجعلنا ننسي المطلوب أن يقوم به. أو التكليف الذي يقدم له. أو الالتزام الذي يلتزم أمامنا بالقيام به. لأن الشخص خاصة عندما يكون معاصرا لنا ما إن يذكر حتي نستحضر مشاعرنا تجاهه. سواء بالرفض أو بالقبول. وهذه المشاعر تغطي علي كل ما يمكن من دور عام. فالشخص كيان له حضور. بينما القضايا المطلوب منه القيام بها وإنجازها أمور مجردة. في الاجتماع التمهيدي اقترح أحد الزملاء أن نتفق علي أسماء نرشحها لوزارة الثقافة. وقد اعترضت مرتين: الأولي ألا يكون المرشح واحدا منا. حتي يبقي تحركنا خالصاً لوجه الوطن. بعيداً عن الحسابات الشخصية والمشروعات الفردية. فالوطن يعلو ولا يعلي عليه. والوطن الباقي ونحن جميعاً زائلون. وعندما قابلنا إبراهيم محلب في مساء نفس اليوم في نادي المقاولون العرب. تكلمنا عن وضع الثقافة المصرية الراهن وما نحلم به لها. وتكلم كل زميل عن الزاوية التي تشكل اهتمامه أو ما يري أنه تقصير في أداء الوزارة والوزير. وقد استمع محلب لكل ما قلناه ودونه في أجندة صغيرة معه. ليس هدفي أن أروي ما جري في لقائنا بمحلب. لكني قلت ضمن ما قلت أن الثقافة تعرضت لمهانة شديدة منذ الخامس والعشرين من يناير وحتي الآن. قلت أن الوزارة تولاها أكثر من عشرة وزراء في أربع سنوات. أي أن السنة الواحدة تغير الوزير فيها ثلاث مرات. وأن هذا لم يحدث بالنسبة لأي وزارة أخري من وزارة الدولة المصرية. فضلاً علي أنه يخلق حالة من عدم الاستقرار واللهاث المستمر. فنحن في مصر. كل شئ يدور حول شخص الوزير. ما إن يترك الوزير مكانه. حتي ينظر لإنجازه علي أنه نوع من الخطأ المطلق. وتطوي صفحته ويأتي وزير جديد ليبدأ من الصفر. لم نسمع عن وزير أتي ليعلن أنه سيكمل ما بدأه الوزير السابق. ولم نر أبداً وزيراً بمجرد أن حلف اليمين قرر أن يذهب للوزراء السابقين عليه ليستمع منهم ويتناقش معهم ويتلمس معهم أول خطوة له علي الطريق. كل واحد يبدأ من الصفر. وكأن ما قبله كان خطأ. والسبب لهذه الظاهرة شخصنة الأمور. أن شخص الوزير يسبق برنامجه وتصوراته ورؤاه للعمل في الوزارة التي يري أنه يصلح لها. فضلاً عن أن منصب الوزير يوشك أن يكون مكافأة. إما مكافأة نهاية الخدمة. أو مكافأة علي دور قام به. أو خدمة قدمها لقيادات الدولة العليا. فقررت أن ترد له ما فعله بمنصب يشارك في رسم مصير ومستقبل الوطن. ثم ما إن يكون هناك تعديل وزاري أو تغيير شامل. حتي نري رئيس الوزراء يتكتم مقابلاته. يعلن عن مكان للإعلام. ثم يذهب لمكان بديل لا يعلم الإعلام عنه أي شئ. ومن حق رئيس الوزراء أن يفعل هذا. لو كان الأمر مرتبطاً بأسرار الدولة العليا. لكن عند اختيار شخص سيقوم بدور عام في خدمة الوطن. أعتقد أن إعلان اسمه فيه فائدة. لأن في الإعلان نوع من الاحتكام للرأي العام. ما قيمة السرية ورئيس الوزراء يحاول اختيار أفضل العناصر لمنصب ما؟ وهذا المنصب يشكل خدمة للوطن والمواطنين وفئة من المجتمع أو فئات يتصل بها عمل الوزير. أخطر ما يقلقني عند التعديلات الوزارية. عندما تكتب الصحف أن فلان الفلاني أو علان العلاني يحظي بإجماع جماعة المثقفين. وقد أبلغ بعض المثقفين الدولة بهذا. لأن هذا الإجماع من رابع المستحيلات. فمن يرضي عنه فرد قد يرفضه فرد آخر. ومن ترضي جماعة قد تقف ضده جماعة أخري. ثم هل يعقل أن خطاب تكليف الحكومة سيعلن بعد الانتهاء من تشكيلها؟ هذا ما قالته وسائل الإعلام. فالسفير علاء يوسف المتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية أعلن أن الخطاب جاهز وتم الانتهاء من صياغته وتدوينه. ولكنه سيعلن بعد حلف اليمين. أعتقد أن هذا الخطاب نقطة البدء. الكلمة الأولي. مبتدأ الجملة الخاصة بمجلس الوزراء كله. أي أن اختيار الوزراء لا بد أن ينطلق من برنامج للحكومة. والبرنامج يحدده خطاب التكليف. وإلا فإن السؤال القائل: هل نضع العربة أمام الحصان؟ سؤال صحيح. وعلينا أن نحاول تحديد سلم الأولويات بدقة.