محاربة الفساد لا تقل أهمية عن محاربة الإرهاب.. فالإرهاب يحصد الأرواح ويهدد الحياة.. والفساد يحصد الأموال ويُصعب العيشة.. الفساد في مصر مستوطن منذ عهود.. وأصبح منظومة متكاملة «مافيا».. إلا انه اكتسب مؤخرا صفة «البجاحة». والمصيبة أن من يحدثك عن الفساد ومحاربته.. ويتشدق ليل نهار بكلمات عن الشرف والنزاهة.. تكتشف في النهاية انه فاسد بل عم الفاسدين. المصيبة الأكبر اننا سمعنا كثيرا عن قيام الدولة بمحاربة الفساد.. وانشأت مفوضية ولجأنا لذلك.. ووضعت القوانين التي تقضي علي الفساد.. ولكن حتي الآن المحصلة صفر.. لأن منظومة الفساد في أحيان كثيرة أقوي من الحكومة وفوق القانون. إن قضية الفساد الكبري والمتهم فيها وزير الزراعة، تلقاها المواطن علي مرحلتين.. الأولي أنه اصيب بالإحباط.. فبعد ثورتين مازال الفساد مستشريا.. ومازال هناك وزراء ورجال أعمال وغيرهم فاسدون.. صحيح ان الفساد عقب ثورة يناير «اتلم».. وكنت تجد معاملة ولا أحسن في جميع إدارات ومؤسسات الدولة التي تتعامل مع المواطنين.. حتي ان الموظف يرحب بك ويطلب لك الشاي ويرفض حتي السيجارة.. وبعد أن حصل رموز الفساد في عهد مبارك علي البراءات.. عاد الفساد من جديد، ولكنه عاد ببجاحة.. وكأنه يعوض الأيام التي امتنع فيها مرغما عن ممارسة فساده. أما المرحلة الثانية فالمواطن شعر بجدية دور الدولة في محاربة الفساد.. فهذا وزير ومعه بعض رجال الأعمال تم القبض عليهم والتحقيق معهم في وقائع فساد.. إلا أن المشهد الذي تم في مسألة الوزير.. واستدعاءه إلي مجلس الوزراء لتقديم استقالته.. ثم القبض عليه في الشارع.. اثار المخاوف لدي المواطن.. وطرح العديد من التساؤلات.. لماذا لم تتم اقالة الوزير؟ ولماذا لم يتم القبض عليه في مكتبه أو منزله؟ علي العموم وأيا كانت الطريقة التي تمت مع الوزير، إلا انه الآن رهن التحقيق. هذه القضية في هذا التوقيت، الذي أصبح فيه الفساد غولا.. هي حجر الزاوية وبداية قوية في محاربة الفساد والانتصار عليه.. وعلينا أن ندرك أن الجميع «صالحين وفاسدين» يترقب ما ستنتهي إليه القضية.. وإعلان كل تفاصيل التحقيقات والقبض علي متورطين آخرين ترددت اسماؤهم في الشارع مهما كانت مواقعهم ومناصبهم وسلطانهم.. ولن يقبل المواطن أي تبريرات أو حجج لاستبعاد فاسد أو التستر عليه. هذه القضية سوف تحدد مدي جدية الدولة في محاربة الفساد.. وهي فرصة لن تتكرر للقضاء علي الفساد «اضرب المربوط يخاف السايب». أعتقد أن هناك اتجاها قويا لعدم التستر علي أحد.. وأن وزير الزراعة المتهم في القضية لن يكون مجرد كبش فداء لاخرين.. وان القريب العاجل سوف يشهد الاعلان عن متورطين آخرين. وإذا حادت الدولة عن ذلك فإن المواطن سوف يصاب بالاحباط، ولن أقول انه سيفقد مصداقية الحكومة لانه يفتقدها فعلا.. كما ان الفساد سوف يعلن انتصاره ويقيم الأفراح والليالي الملاح.. ويعلن قوته وجبروته. وهذا مكمن الخطورة في هذه القضية، قضية الفساد الكبري.. التي اعتبرها فرصة جيدة لتقضي الدولة علي الفساد بكل صوره وأشكاله.. فإذا استغلتها الدولة وضربت بيد من حديد ووضعت علي عينيها عصابة سوداء وحاكمت كل متورط في القضية دون انتقاء.. استطيع ان اقول إنها بداية نهاية عصر الفساد. الأمر بيد الدولة إما وأد الفساد أو دعمه.. الخيار لها الآن.. ونحن منتظرون.