فاجأنا وزير الزراعة باعترافه في اللقاء الشعبي الذي عقده بمحافظة البحيرة يوم الثلاثاء الماضي.. حيث قال أمام جمهور الفلاحين والقيادات الشعبية والتنفيذية إن ¢الفساد بيلف ويجي ينام في الوزارة¢.. ثم أتبع هذا الاعتراف بإعلان التحدي مؤكدا: ¢لن أتستر علي فساد¢. حسنا.. إذا كان الأمر علي هذا النحو.. وكنا جميعا نري الفساد الذي يلف ويجي ينام عندنا.. وكلنا نحارب الفساد ولا نتستر عليه.. فمن الفاسد إذن؟.. من يا تري ذلك الشخص الفاسد الذي ينغص علينا حياتنا ويشوه صورة بلدنا الجميلة... ويجعل رائحة الفساد تزكم أنف كل من تطأ قدمه موقعا حكوميا أو هيئة عامة أو مؤسسة خاصة؟ ما سر هذا الفساد المتجذر.. وما سر القوة الغامضة التي يتمتع بها فتجعله قادرا علي الصمود والتمدد أمام ثورة شعب خرج بكل فئاته وطوائفه يهتف ضد الفساد والفاسدين؟.. كل الأجهزة تتحدث عن محاربة الفساد.. ثم بعد أن يغادر موقعه تسمع حكايات عن فساده يشيب لها الولدان. والمصيبة أن الفاسدين هم الأعلي صوتا في كل المواقع.. والأكثر فجرا.. والأكثر حديثا عن الطهارة والاستقامة.. عن الانتماء وحب الوطن.. وهم يعرفون جيدا أن عيون الناس تكشفهم وترصدهم.. لكن الألسنة لا تستطيع أن تنطق.. الخوف يجعلها تبلع الكلام إلي الداخل ولا تصدع به. في البداية كان الخوف هو آفة المجتمع.. الخوف يعقد الألسنة.. انه بذرة الفساد الأولي وهو أيضا الثمرة.. وكلما زاد الخوف اتسعت دائرة الفساد وتمددت.. وأصيب الناس بالخرس فلا تسمع إلا همسا.. حتي صار الناس يخافون من الخوف.. أما في مجتمع الحرية فإن الفساد يتضاءل إلي أدني درجة.. لأن الناس تتكلم ولا تهاب شيئا. في كل مكان.. وفي كل موقع.. الناس تعرف جيدا أين يكون الفساد.. ومن يكون الفاسدون.. لكننا تعلمنا منذ الصغر أن نسير بجوار الحائط وأن نبتعد عن الشر ونغني له حتي نضمن لأنفسنا السلامة. وتزدحم حاليا صفحات الفيس بوك وتويتر بتفاصيل رهيبة عن قضايا الفساد التي كشفت عنها مؤخرا هيئة الرقابة الإدارية.. والتي وردت فيها أسماء مشهورة.. بعضها ضمن قضايا محظور النشر فيها.. وقد نجح متهمون من هؤلاء في الهرب للخارج.. وهناك متهمون آخرون لم يتم القبض عليهم رغم انتشارهم الإعلامي وظهورهم في قوائم المرشحين للانتخابات البرلمانية القادمة.. وهؤلاء يرتعدون خوفا لأن سقوطهم يعني القضاء عليهم قضاء مبرما.. إنسانيا وسياسيا وإعلاميا. القضايا التي ضبطتها الرقابة الإدارية وحدها كاشفة لحجم الفساد ونوعية الفاسدين.. الذين يتوزعون علي الإعلام والأحزاب والزراعة والتعليم والتعليم العالي والمحليات.. كنا نتصور أن الفساد يتراجع بعد الثورة.. لكن الكارثة انه يزداد فعلا.. ودائرته تتسع بالرشاوي والمال والنساء.. كان الفساد للركب.. والآن وصل إلي الحلقوم.. ليس في المحليات فقط كما يظن البعض.. وإنما في كل موقع وفي كل جهة. سوف تحمل الأيام القادمة مفاجآت في ملف الفساد.. سوف نكتشف من هم اللصوص الذين سرقوا البلد.. سرقوا الأراضي والعقارات وسرقوا في الصرف الصحي ومقاولات البناء والإدارات الهندسية والطرق.. ومن هم الذين قدموا الرشاوي ومن أخذوها.. وسوف يتأكد لدينا أنهم أنفسهم هم الذين أفسدوا الحياة السياسية.. وأكلوا علي كل الموائد.. والغريب أنهم لا يشبعون أبدا.. ولا يشعرون بوخز الضمير. وفي النهاية لا يبقي لنا غير الدعاء.. أن يطهر الله عز وجل مصر من وباء الفساد.. وأن يكف عنها مكر المفسدين.. حتي تبدأ حياة جديدة نظيفة.. فمصر تستحق أفضل مما هي فيه.