اهتمام كبير من وسائل الإعلام العالمية بنقل وتهجير أهالي القرنة في واحدة من أكبر تلك العمليات في القرن الحالي، ربما فاق ذلك الاهتمام والتغطية التي حظيت به في وسائل الاعلام المصرية والعربية.. وقد لامست تلك التقارير التي نقلها المراسلون الجوانب الاجتماعية والنفسية وجوانب اخري تتعلق بحياتهم الجديدة في منازل من الطوب والاسمنت بوجوهها السلبية والايجابية. لكن الحقيقة الخاصة بالكنوز من الآثار الموجودة تحت بيوت قرية القرنة ظلت مدفونة في المكان مثلها مثل اسرار الفراعنة.. وحكايات عن 950 مقبرة حصرتها هيئة الآثار تسمعها علي لسان اهالي القرنة في احاديث بالغة الاهمية بعيدة عن الكاميرات والاعلام. انهم يرددون كيف ان عصابات سرقة الآثار بدأت، منذ اللحظات الاولي للتهجير، في العمل المنظم وبشكل "محترف" للاستيلاء علي ما تصل اليه ايديهم من كنوز.. ولأول مرة اعرف ان هناك خرائط في ايدي عصابات دولية تحدد مواقع بعض الآثار الاكثر اهمية بالنسبة لتلك السوق غير الشرعية التي يديرها "بارونات" تهريب الآثار في العالم، ومن البديهي ان تلك العصابات لم تظهر فجأة، بل ظلت تعمل، ربما من خلال مواطنين من أهالي القرية طيلة السنين الماضية، وهم الاقدر علي معرفة السراديب الموصلة الي المقابر وداخلها المومياوات، وما يشاع عن وجود الكثير من الكنوز التي خبأها قدماء المصريين في تلك المومياوات. لكن بالتأكيد فان التعاون مع تلك العصابات لن يكون مع الاهالي بعد الان.. فهناك كردونات تقام حول القرية، ومع اكتمال عمليات نقل الاهالي الي مدينتهم الجديدة سوف تتسلم الحكومة ممثلة في الاجهزة التنفيذية التابعة لمدينة الاقصر مهمة الحراسة المشددة حول القرية. والمرشحون لذلك التعاون "الدنيء" هم صغار الموظفين.. او كبارهم اذا توافروا.. او كلاهما معا لتبدأ عمليات نهب منظمة لتلك الكنوز المدفونة تحت "القرنة" واهالي القرية يدركون ان عمليات تهريب الآثار لم تختف في أي زمن وعلي امتداد التاريخ القديم والمعاصر، بل هي مستمرة، حتي وان كانت بعيدة عن الاعين الامنية، ولولا ان صراع بعض كبار المهربين يفضي احيانا الي الكشف عن هذا الموظف او ذلك نتيجة تضارب المصالح لما سقطت تلك العصابات في ايدي رجال الامن، ولما سمعنا عن "طارق السويسي" في واحدة من اشهر قضايا تهريب الآثار. ولا يمكن ان ننكر ان بعض اهالي القرنة، بل العديد من سكان الصعيد يعملون في تجارة الآثار الممنوعة.. وهذه الظاهرة معروفة لدي السكان ومسئولي محافظات الصعيد علي حد السواء، ولا يمكن ان نبرر لهم ذلك سوي انه لابد من الاعتراف بان غياب فرص العمل ومعدلات النمو الضعيفة والفقر المستشري في قري ونجوع الصعيد كفيلة بتشجيع تلك الانشطة الممنوعة.. حتي انه وفي بعض الاوساط الصعيدية يتحدثون عن تلك الانشطة وغيرها كتجارة المخدرات والسلاح بشكل عادي دون شعور بالذنب، او الخجل من ممارستها.. فهناك الآلاف والآلاف من العائلات حياتهم قائمة علي الحفر اسفل المنازل للبحث عن كنوز تركها الاجداد.. و"الاحفاد" علي يقين من انها نصيبهم "الشرعي" من تلك الثروات المدفونة. وبعد.. هل تستمر كل تلك المظاهر من الفساد الذي يعرفه كل الناس.. باستثناء الاجهزة التنفيذية؟ المطلوب صحوة ضمير.. وإحكام الرقابة علي كل من له علاقة من قريب او بعيد بظاهرة تهريب الآثار، او بحراسة الآثار.. ولابد من البحث في اقرار الذمة المالية للموظفين صغارهم وكبارهم خاصة ممن سيتسلمون قرية "القرنة" بعد استكمال تهجير الأهالي منها!