«ومر الأسبوع ولم يفق الغيطاني من غيبوبته، ندعو الله سبحانه وتعالي أن ينعم عليه بالاستيقاظ منها رحمةً بنا وبأسرته وقرائه» يشغلني بشدة ويؤرقني موضوع الغيبوبة المخية، تلك الحالة العميقة من فقدان الوعي التي لا يستطيع من أصيب بها التفاعل مع البيئة المحيطة به فهو غير قادر علي الحركة ولا يستجيب لأي مؤثرات خارجية رغم أنه علي قيد الحياة فالقلب ينبض والجسم يتنفس، حالة من النوم العميق لا نستطيع الإستيقاظ منها إلا بإذن الله سبحانه وتعالي، إنها تختلف عن فكرة الموت هذا الطريق المؤدي إلي المجهول الذي ينتظر كل منا ونؤمن بقدره، هذا الموضوع كان مثاراً لمناقشة عميقة وشاغلة بيني وبين الكاتية الصحفية الكبيرة الأستاذة مها عبد الفتاح في عزاء الراحل الكاتب الكبير سمير عبد القادر مساء الثلاثاء الماضي، والذي تزامن مع دخول كاتبنا الرائع جمال الغيطاني يومه الثاني في الغيبوبة الكاملة، ومر الأسبوع ولم يفق الغيطاني من غيبوبته، ندعو الله سبحانه وتعالي أن ينعم عليه بالإستيقاظ منها رحمةً بنا وبأسرته وقرائه، وكان التساؤل الحائر بيننا ماذا يشعر الإنسان في فترة الغيبوبة، وهو التساؤل الذي لم يتوقف من الكثيرين حتي الأطباء، ولم يجب عليه سوي تجارب العائدين من الغيبوبة، فهل هذه التجارب حقيقية أم وهم، والتي يطلق العلماء والأطباء عليها تجارب الموت الوشيك، فرغم التقدم العلمي والطبي إلا أن العلم مازال يقف أمامها عاجزاً، عاصرت كثيراً من هذه الحالات ولا أحد يجيب عليك سوي بطلب الدعاء، حتي تجارب وروايات العائدين منها لا تشفي ولا تسمن من جوع، آخرها قصة الفتاة الأمريكية التي أُفيقت وعادت إلي وعيها في مايو الماضي بعد أربع سنوات قضتها في غيبوبة إثر سقوطها من سيارة، والكثير من الروايات الغريبة التي قرأتها يحكي فيها العائدون من الغيبوبة تجاربهم التي شعروا خلالها بخيط رفيع يفصل بينهم وبين الموت منهم من يري نفسه في عالم آخر يشعر بمن حوله يراهم يسمعهم يطير بجسده فوقهم يعبر آفاقاً ويهبط آنفاقاً، وفي دراسة لعالم هولندي قام بها خلال ثمانينيات القرن الماضي شملت 344 شخصاً من مختلف الجنسيات أكدوا جميعاً أنهم شاهدوا أشياء غريبة وكأنهم يعيشون في عالم آخر، ومنهم من أحس أنه يسير بسرعة داخل نفق جميل ملئ بالأزهار والورود، ومنهم من كان وجد نفسه يقف أعلي سقف الغرفة التي يرقد بها وشاهد جسده علي السرير ورأي الممرضة وهي تؤدي عملها مع الجسد الملقي في غيبوبة تامة ثم انتقل إلي النفق المؤدي إلي مكان رائع جميل لم ير مثله من قط يكثر به الكلأ والعشب والأزهار والنافورات وتمني أن يبقي هناك للأبد إلي أن سمع صوتاً يهتف في أذنه، يمكنك البقاء هنا لبعض الوقت فقط، هذه الرواية رواها العديد من الأشخاص العائدين من الغيبوبة في أماكن متفرقة من العالم..! والمصري الوحيد الذي شمله البحث كان في العشرينات من عمره دخل في غيبوبة بعد انقلاب سيارته علي طريق الأوتوستراد، روي أنه شعر أثناء انقلاب سيارته أنه لم يكن في السيارة وتذكر وقتها حياته منذ ولادته وحتي وقوع الحادث وشعر أن هناك من يحميه، وشاب آخر فلسطيني شاهد نفسه خلال الغيبوبة أنه يحلق في سقف الغرفة ورأي الأطباء يصدمونه بالصدمات الكهربائية وشاهد صديقه وشقيقه يبكيان خارج الغرفة ويصلون من أجله، أسألك يا ألله أن تقينا شرور الدنيا وتنعم علينا بالصحة والستر، وتشفي مرضانا، وتقينا غيبوبة الدنيا ونحن أحياء، ويبقي الأمل موجوداً في عودة كاتبنا الكبير إلي دنيانا رحمنا ورحمكم الله جميعاً.