قال لي شيخي وقد فهم ما ألم بي : الأذي له وجه آخر بخلاف الأذي. كل نبي تعرض إلي الأذي حتي لا يركن لأحد غير الله. عدو يجعلك تقول (الله) مستغيثا به خير من حبيب يؤنسك ويريح قلبك فيقطعك عن الله. قال لي شيخي : في البلايا ألطاف، وابتلاء يخرجك من الغفلة ويعيدك إلي حضرة الله هو لطف منه. قلت له: ولكن طمعي في الله أن أكون في حضرته عبد إحسان لا عبد إبتلاء. ابتسم شيخي قائلا : وكيف يطمع أن يدخل حضرة الله من لم يتطهر من جنابة غفلته؟ قلت له: لقد تحملت من أذي البشر ما يفوق طاقتي. قال : متي أوحشك الله من البشر فاعلم أنه يريد أن يفتح لك باب الأنس به. قلت له: هل تقصد أن ما بي من ابتلاء هو نعمة في حقيقته؟ قال شيخي : الذي واجهتك منه الأقدار هو الذي عودك حسن الاختيار، راجع ما سبق أن أختاره لك طوال حياتك لتعرف أن اختياره دائما كان اختيار حسن حتي لو تفهم انت ذلك في وقتها. قلت:ولم اختار الله أن ينعم علي عن طريق الابتلاء؟ قال شيخي :من لم يقبل علي الله بملاطفات الاحسان قيد اليه بسلاسل الامتحان، هناك نفوس لا تدخل الجنة الا جرا بسلاسل، وعندما قال الله (وليبلي المؤمنين منه بلاء حسنا) كان يقول لنا ان هناك بلاء حسنا وبلاء قبيحا، أما الحسن فهو للمؤمنين وهو الأمراض ونقص الأموال والانفس والثمرات، هذا بلاء يجعلك تعود إلي دائرة الله تكلمه وتسأله، وهناك بلاء قبيح وهو الجهل والكفر والضلال وهو بلاء غير المؤمنين، فاطمئن. قلت له: فلتدع لي بالرحمة صمت الشيخ قليلا ثم نظر عبر نافذته وهو يقول : يا عبدي كيف أرحمك بدفع ما به أرحمك؟ قلت لشيخي : لا أفهم. قال: ستفهم، قالوا الأكابر قديما ( متي فتح لك باب الفهم في المنع، أصبح المنع هو عين العطاء)، إنما يؤلمك المنع لعدم فهمك ما يقصده الله به،فاصبر، وستفهم يوما ما، لكن نصيحتي لك :لا تكن ممن استعجل شيئا قبل اوانه فعوقب بحرمانه. قلت له: ألا تري أنني أصبر؟ ابتسم شيخي قائلا: انت تشكو، والصبر هو كتم الشكوي.